2.1K
رولا عبدالله، اسم لامع في عالم الكتابة… تميّزت منذ صغرها وهي على مقاعد الدراسة بقلمها المميز، فشكك الأساتذة بكتاباتها لشدّة الجمالية فيها… لفتت الشاعر سعيد عقل فمنحها جائزته “الكلمة الملكة” عن مقالة محورها المرأة. أنيقة في كتاباتها كما في شخصيّتها، ترفض التحدي وتؤمن بثقافة الحياة، جاعلة من الحب والوجع والخيبات، معبرا إلى عالم الروايات، ومحوّلة بأسلوبها الروايات إلى رقصة… فجاءت “رقصة المرمر” لتجعل من “الحجر” أجسادا ناطقة.
بين الإعلام والأدب جسر تتنقل عليه… في دردشة مشوقة إلى موقع Feminine Spirit هذا ما قالته الكاتبة والصحافية رولا عبدالله…
-
أخبرينا عن بداياتكِ؟ كيف اكتشفتِ موهبة الكتابة ؟ وكيف قمتِ بصقل هذه الموهبة ؟ كيف دخلتِ إلى مجال كتابة الروايات؟ من شجعكِ؟
من إحساس بالظلم في صغري انطلقت لأضاعف قدراتي في الكتابة. أذكر أنني حصلت على علامة “لا علامة” في مادة الانشاء لأن أستاذي شكك في أن أكون أنجزت بمفردي الوظيفة، ولا أنسى موضوعها:”ماذا كنت تفعل لو حصلت على الجائزة الكبرى في اليانصيب؟، فتحديته واستعدت حقي مع رغبة باستعراض إمكاناتي في اللغة. وتكرر الأمر نفسه في المرحلة الجامعية حين حصلت في مادة التحرير الاعلامي على ملاحظة مدونة بالأحمر بدلا من التقييم:”من أين نسخت النص؟ فعدت للتحدي ثانية مستفيدة من خصوصية أني أجيد التعبير كتابة أكثر منه شفاهية. وفي الكتابة كنت أعوّض عن ثغرات في شخصيتي بينها الخجل والميل للوحدة .
أما كيف توجهت الى الكتابة الأدبية، فحدث ذلك في السنة الأولى من مزاولتي الصحافة، حين اتصل بي الشاعر سعيد عقل ليعلمني بأني فزت بجائزته “الكلمة الملكة” عن مقالة محورها المرأة. تفاجأ بحداثة سني متمنياً علي من خلال متابعته لما أكتب أن أطرق باب الأدب والقصة. أذكر أنه قال لي:”لغتك مباشرة وأنيقة، فانطلقت بثقة وشغف الى الورقة والحروف والأهم موسيقى الكلمات التي تترك وقعها في النفس والذاكرة.
-
ما هي الروايات التي تستهويكي؟ هل تفضلين قصص الرعب أم الرومانسية؟
كما ذكرت تستهويني الروايات التي فيها نفساً موسيقياً، ومن الأسلوب أجد نفسي أتسلل الى الحبكة مأخوذة بتفاصيل تشبهني من الحياة اليومية الى الحب، الوجع، الخيبات، التحدي..
-
حضرتكِ إعلامية وكاتبة. أي لقب تفضلين؟ هل تحبين مجال الإعلام أكثر أم الأدب؟ ما هي مقومات الكاتب والصحافي الناجح؟
بين الإعلام والأدب جسر أتنقل عليه يومياً من أجل ألا تصاب الأخبار بالجفاف. فأن أكتب بإنسانيتي وبالمسؤولية اللازمة وبلغة مرهفة وأنيقة يعني أني أتقن السير على ذلك الخيط الرفيع بينهما، والذي لا شك بأنه مؤثر. مثال على ذلك، قرأت يوماً خبرا عن زيارة مسؤول لأهالي مخيم البرج الشمالي. وقد بدأ الخبر بـ”استقبل” وانتهي بـ”ودّع”. انطلقت في اليوم التالي الى المخيم لأعاين على الأرض واقع الحال. وفي المساء كتبت عن المنازل المتآكلة التي ينقضّ إسمنتها يوما بعد يوم على الأطفال الأبرياء. وظّفت الأدب واللعب على وتر الطفولة، فكانت النتيجة أن اتصلت بي مديرة إحدى البنوك معلنة تأثرها بما كتبت. دفعت يومها لترميم نحو عشرة منازل، ومن التجربة تلك وظفت الكتابة الأدبية في خدمة الصحافة التي هي في الأساس “سلطة رابعة” لا يفترض أن تستهين بها الشعوب أو تروضها.
-
هل حياتكِ الفعلية بعيدة عن القصص التي تكتبينها أم أنكِ تستوحينها من تجاربكِ والأحداث التي تمرّ في حياتكِ؟
الرواية الأولى التي كتبتها تشبهني كثيراً، فيها السيرة والحب الأول والانكسار والخيبات والتحدي والمغامرة… ثمّ أيقنت بأن الأدب لا يعيش فقط على الذاتي، وإنما في حاجة إلى قضية أكبر والى أركان تشد القارئ وموضوعات فيها العام والخاص، فوضعتها في الأدراج ورحت أبحث في دنيا الآثار القديمة وعوالمنا المنسية تحت الرمال والردم عن حبيب أشكّله كما أتمنى وأدب يزاوج بين التاريخ والحب الذي نفتقده في عالم المادة . اخترت البطل عالم آثار عاشق لأنثى من حجر، وهو لأجلها راح يبحث في الممالك والمدن العربية المندثرة عن هوية ومكان وموطئ قدم. وفي خياري طرقت باب آثارنا المنسية، وشكّلت قصة حب أفتقدها في حياتي كما كثيرات من النساء العربيات اللواتي يرضخن للواقع من جهة، ويطلقن العنان لأحلامهن كلما اختلين بوحدتهن.
-
ما أظرف تعليق قيل عن رواياتكِ؟
ليس أظرف تعليق، وإنما أكثر سؤال واجهني: هل “رجا” عالم الآثار هو حبيبك بالفعل؟ هل عشت قصة الحب هذه؟ هل زوجك عالم آثار؟… وفي مثل تلك الأسئلة واقع يؤكد إننا مشدوهين في حياتنا للتلصلص على حيوات الآخرين من دون التعمق في جدوى الكتابة والفكرة والرسالة.
-
هل اختلفت حياتكِ بعد كتابة رواياتكِ؟
بالطبع، تغيرت حياتي بعد إصدار الرواية الأولى ، وتزامنت مع بلوغي سن الأربعين. وفي المحطتين دافع لأعيد ترتيب حياتي كما خططت لها. صرت أكثر ثقة، أكثر حزماً، أكثر فهماً لحريتي، وأكثر إرادة للاحتفاء بمن ساندني والتخلي عن أولئك السلبيين في أدوارهم ورؤيتهم. لم أعد مكبلة، وإنما أنثى تنشد الحياة للربيع تاركة خلف ظهرها خريف ليس فيه الا أوراقا ويباساً.
-
هل هناك ظروف معينة أم حالات مزاجية معينة تساعدكِ على الكتابة؟
الكتابة الإبداعية بحاجة الى محرض. أحيانا الحزن يحرضني، الألم، الخيبة، الخيانة، الوجع، الحلم ، المخيلة… كلها مؤثرات لازمة في التأثير على القارئ. وبين أن أكتب عن قصة حب أعيشها وأخرى أختلقها في خيالي، أنحاز للثانية وأنجح أكثر في التعبير ذلك أن اللغة لا تحيا إلا بالمخيلة وبالمفقود في يومياتنا وواقعنا.
-
كيف تختارين أسماء رواياتكِ؟
كل مفقود مرغوب، ولأني في حياتي لم أتقن يوماً فن الرقص . وكنت في المناسبات أحسد الصبايا على براعتهن في كيفية تمايل أجسادهن، قلت لأعوض وأسمي روايتي “رقصة المرمر”، وهو اسم يوصف حالي لان المرمر منحوتة من حجر، وإن رقصت سيكون إيقاعها جامداً.
-
من هم مثالكِ الأعلى في فن الكتابة ؟
نجيب محفوظ مثالي الأعلى في الكتابة . قد اتهم بأني تقليدية في خياري هذا، ولكني أؤمن بتجارب أولئك الكبار الذين انطلقوا من الصحافة ومن وجع الشارع وهموم الناس ليمدوا الأدب بأجمل ما كتب ويؤرخون لمحطات من حياتنا. وهناك الأدب الروسي الذي لا يستهان به.
-
هل توافقين على أن تكتب المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل ؟
طبعاً لا. في روايتي كتبت بصوت الرجل، وكتبت بصوت المرأة ، وفي الحالتين تبدلت اللغة والهواجس وكنت أكتشف في الجنسين زوايا مغيبة وومضات منيرة وسقطات مخيبة.
-
كيف تنظرين إلى مستقبل “القصة” في لبنان وفي العالم العربي؟
أؤمن كثيرا بالقلم والورقة على رغم كل الدراسات التي تبشر بغزوة العالم الالكتروني ونهاية الصحف ودور النشر. نحن أهل كتاب وعلم وتاريخ مشرّف، وإن اختار الغرب أن ينتصر لحداثته ، يبقى عندنا من ينتصر لرائحة الأوراق والكتب العتيقة مخمناً: هل أنها رائحة فانيلا أو قهوة أو ذكريات معتقة بالنبض وبالخربشات؟
-
هل ترين أن المدارس قد ساهمت بشكل أو بآخر في تدني مستوى اللغة العربية لصالح اللغة الأجنبية عند الطلاب ؟
بالطبع، أسهمت إدارات المدارس في تراجع لغتنا العربية. بعض المدارس تفرض على الطلاب التحدث باللغة الأجنبية حتى في الملاعب، فإذا بالطالب يفكر ويعبر بغير لغته. صحيح أنها خطوة تنفع في امتحانات الدخول الى الجامعات، لاسيما الأجنبية منها، إلا أنها تكون أحالت العربية الى غبار الرفوف بدليل أن التلميذ بات يجد في القواعد عبئاً عليه، فيفرح حين ينتقل الى مرحلة تعليمية ليس فيها نحوا وصرفا وتعبيرا.
-
النشر الالكتروني قد برز على الساحة الأدبية بشكل استقطب كثيرًا من الأدباء والكتاب، هل يعتبر الآن منافسا قويا للنشر الورقي؟ ألا تعتقدين أنّ الكتب ستصبح “موضة قديمة” أم ستظل لها “الثقل” والقيمة ولن يستطيع النشر الإلكتروني التغلب على “هيبة” الكتب؟ هل تفكرين بإطلاق كتاب إلكتروني لمواكبة العصر؟
لا يمكن أن تصير الكتب موضة قديمة، وإنما أتوقع قريباً نقلة نوعية في محيطنا العربي نحو النشر الالكتروني، وأعرف الكثير من دور النشر الذين يفاوضون حاليا لمشروعات يصبح معها الكتاب بالصوت والصورة على مواقع الانترنت، وفي هذه الخطوة جانب إيجابي يتمثل بالوصول الى أعداد أكبر من القراء. ولكني أعود وأشكل من وجهة النظر الأمر: مواقع الانترنت هي لأولئك الذين تكون قراءتهم “أخطبوتية”، وهم يميلون أكثر الى الدردشة والصورة والفكرة الخاطفة، ويبقى للكتاب عشاقه الذين قد يشترون الكتاب الكترونيا ، وإنما لا يروي جوعهم للقراءة سوى ذلك التماس المباشر مع رائحة الكتاب وشكله وحجمه وتدويره بين أيديهم ورقة تلو الورقة.
-
ما هي مشاريعكِ المستقبلية؟ هل هناك كتاب ما في ذهنكِ؟