كاتبة أطفال، أمّ وأكاديميّة، برعت في التواصل مع عالم الصغار، زارعة في مخيّلتهم الأحلام الورديّة والآمال الكبيرة بغدٍ أفضل … فإهتمّت في إثقال ثقافتهم من خلال أسلوبها الممزوج بالبساطة والسلاسة، منوّرة أمامهم الدّرب لمستقبل علميّ باهر…
إنها كاتبة الأطفال هلا كيلى، المرهفة الإحساس والحدس، إبنة الأديبة مي علوش… استطاعت أن ترسم البسمة والراحة لدى الأطفال بهدوئها وحكمتها، جاعلة من مقاعد الدراسة الملجأ المفضّل لتنوير عقولهم، ومحو الأميّة والجهل وفقر الثقافة…
في مقابلة خاصّة لموقع Feminine Spirit، أعربت كيلى عن أهمّية القراءة والكتابة على حدّ سواء، منوّهة بالدّور المهمّ الذي لعبته والدتها الأديبة في إثقال موهبتها وكتابة الروايات الخاصّة بالأطفال.
إليكم ما جاء في التفاصيل…
– كيف تقدمين نفسك للقارئ؟ كيف بدأت مشوارك في عالم الكتابة؟ ولماذا اخترت روايات الأطفال؟ وكيف قمتِ بصقل هذه الموهبة ؟
إنسانة طموحة لعالم أفضل… بدأت في الجامعة عندما كنت أدرس “child education” وقد طُلب مني كتابة قصة للأطفال. كانت قصة جميلة جدا لذلك، حصلت على علامة “ممتاز”. ثمّ عرضتها على إحدى دور النشر ومن هنا كانت البداية…..
– كيف تصفين ككاتبة للأطفال طفولتك ونشأتك؟ صفي لنا حياتك في الواقع الفعلي للحياة؟
عشت طفولة عادية وهادئة. توفي والدي وأنا صغيرة، فاهتمت والدتي بي، وأخدت دور الأب و الأم معًا. والدتي أديبة وقد كانت دائما تشجعني وتحثني على قراءة القصص والمجلات. كما اذكر أنّ معرض الكتاب كان مناسبة مميّزة ننتظرها بفارغ الصبر كل عام.
-هل يختلف “أدب” الطفل عن غيره من الآداب؟ وأين تكمن صعوبته؟ ما القواعد العامّة الّتي تعملين على مراعاتها واحترامها عند الكتابة للطفل؟
أن توصل الفكرة للطفل هي من أصعب المهام، لذلك يجب أن يكون لديك أسلوب وطريقة مميّزة. أعتقد أنّ كاتب “أدب” الاطفال يجب أن يكون لديه الكثير من الاتصال مع الاطفال وغالبًا ما تكون وظيفته “استاذ” في المدرسة. وكوني أدرّس الأطفال، وجدت أن هناك حاجة لدى الأطفال إلى قصص مختلفة عن تلك الكلاسيكية، ما شجعني لكتابة تلك التي تنمي وتطوّر شخصيتهم.
– ما هو تعريفك لأدب الأطفال؟ ما مقومات الكاتب الناجح في نظرك؟
أدب الاطفال هو فن أدبي نثري أم شعري لا يختلف عن أدب الكبار، إذ تبحر في الخيال الواسع. لكن، يجب أن يكون المرء حريصا لإنتقاء الشخصيات والمكان والزمان والعقدة بحيث لا تخدش براءته. كذلك، يجب إختيار النصّ والكلمات الواضحة والمناسبة وفقًا للعمر.
-هل يوجد نمط حياة وصفات مشتركة بين الكتاب؟
يجب أن يكون الكاتب على اتصال شبه دائم مع الاطفال وقاريء نهم لديه خيال واسع وإحساس مرهف، لديه ثقة بنفسه و بما يكتبه بالإضافة الى الثقافة العالية والموهبة.
– ما هي رواياتك التي تمّ نشرها حتى الآن؟ كيف تختارين أسماء رواياتك؟ أخبرينا عن الرواية الأخيرة…
المجموعة الأولى التي كتبتها هي “الفصول الاربعة”: قبعة رامي، سارة والحديقة الخضراء والوردة الحمراء والمطر، البحر الازرق.
“كيف أصبح الافضل ” هي المجموعة الثانية مؤلفة من ستة كتب: لدي مهارات عديدة، الكرم من صفاتي، انا احب المساعدة و المشاركة، أنا احب الصدق، انا ذو السلوك الحسن.
المجموعة الثالثة وهي سلسلة أحب المعرفة: انا أقرأ في الحديقة، الحلم بالمدرسة، الطموح والحياة وشغف القراءة وهي سلسلة كتبت باللغتين العربية و الانكليزية .
أما المجموعة الأخيرة هي حكايات من العالم: الملك كارت الشجاع وامون الفرعوني الصغير، تشو الصيني الصغير، غسان العربي وسفينة الصحراء.
أحيانا أكتب فكرتين معا، ولكن القصة الأخيرة التي تمّ نشرها وهي غسان العربي وسفينة الصحراء، هي عن الحضارة العربية، حيث تصف كيف كان الانسان العربي يعيش في الصحراء ويتنقل فيها ويسكن، معتمدًا على الجمل الذي عنده صفات مميزة تقاوم حرارة البادية. والهدف من القصة إيصال أسلوب حياة إلى الطفل بطريقة ممتعة وليس كما كنا ندرسها نحن في السابق عن الطريق الحفظ الذي هو أسلوب قديم وممل جدا.
ليس هناك قاعدة ثابتة لإختيار العنوان المناسب للقصص. معظم الأحيان تراودني فكرة عنوان أثناء العمل وأحرص دائمًا أن يكون جذابا و ملائما…. وأحيانا يكون لديّ أكثر من إختيار ولكنني أختار في النهاية ما ينسجم مع روح القصة.
– لا شك أنك تقرئين لكتاب قصص الأطفال، فمن من الأسماء يلفت انتباهك على الساحة الأدبية؟ من هو مثلك الأعلى في الكتابة ؟
نشأت على قراءة القصص الخيالية رابنزل و سندريللا وغيرها، ومن ثمّ الأميرات الصغيرات وجبران خليل جبران وبعدها كتب أدبيّة وسياسيّة التي ما زلت أقرأها حتى اليوم.
طبعا، مثلي الأعلى هي والدتي الأديبة مي علوش التي مؤلفاتها عديدة. فهي كانت تقرأ وتكتب لساعات في النهار، كما كانت تشاركني ببعض القصص التي تقرأها وأحيانا تعبّر عن رأيها بكتاب ما أو شخصية معينة وكلّما تقدّمت في العمر أحسست بقيمتها الأدبية أكثر فأكثر. لقد قرأت الكثير منذ الصغر وليس هناك كتاب محدد أو كاتب محدد خصوصا وأننا نرى اليوم العديد من الكتاب الجيدين.
-هل تكتبين لتوجيه رسالة من خلال كتاباتك ومعالجة مواضيع معيّنة أم هي طاقة تخرج منك على هيئة كلمات؟
أكتب لأسباب عديدة. أولها، نظرًا لافتقار الأطفال في العالم العربي إلى قصص هادفة بعيدًا عن القصص الكلاسيكية مثلا قصة ليلى والذئب التي اعتبرها رغم عالميتها تحتاج الى إعادة تصحيح في كتابتها والفكرة الخاطئة عن الذئب وعن الحطاب وعن الجدة.
كما اننا نفتقر إلى قصص تُكتب باللغة العربية بأسلوب واضح وبسيط ، وبمصطلحات مناسبة لعمر الطفل. آسف لأنّ معظم الاهل والمدارس تشجع الأطفال على قراءة القصص الأجنبية بدلا من حثّهم على قراءة القصص باللّغة العربية. علينا السعي جميعًا كي نحبب أطفالنا بلغتنا الجميلة جدًا.
كما نفتقر إلى قصص هادفة لمعالجة بعض المسائل وتعزيز شخصية الطفل وثقته بنفسه وإيصاله إلى المرحلة التي يصبح فيها قادرًا على معرفة ما هو الصائب والتعبير عن مشاعره من دون خوف أو تردد.
– من أين تبتدعين قصصك ورواياتك الموجهة إلى الأطفال؟
أقرأ كثيرا وأحيانا أحتاج إلى إيصال الفكرة إلى الأطفال بطريقة ما، فأجسّدها في قصة… كما تواجهني خلال عملي في المدرسة مسائلا تحتاج إلى معالجة، فتلعب القصة هنا دورًا كبيرًا لحلّها بسلاسة… إذ على سبيل المثال، كتبت قصصًا لمعالجة أمور حياتية مهمّة مثل المحافظة على نظافة الأسنان وتقبل الآخر والتشجيع على العمل التطوعي والطلاق لدى الأهل والتوجيه وزرع الوعي لدى الاطفال لمواجهة التحرش الجنسي وتعزيز الثقة بالنفس والحثّ على القيم الاخلاقية واحترام البيئة والطبيعة.
–هناك من يصنّف كتّاب أدب الأطفال إلى صنفين: صنف الشّعراء والقصّاصين وصنف المربّين الذين يكتبون بأقلام مدرّسين لا بأقلام مبدعين. ما رأيك في هذا التصنيف؟ وكيف تنظرين إلى هذه المسألة؟
إنه وصف غير دقيق . الكاتب لا يمكن ايصال أي فكرة حتى لو كانت تربوية إن لم يكن هناك لمسة من الإبداع، إذ لا بدّ من اعتماد اسلوب جذاب ومثير للأطفال. فالكاتب مبدع وصاحب موهبة، يمكنه كتابة ما يريد من دون تحديد صنف معيّن ليتجه نحوه، فأي موضوع يحبّه يمكنه أن يكتبه.
–بوصفك كاتبة أطفال وأمّا وأكاديميّة، ما الخطوات العملية الضرورية لحثّ حبّ المطالعة في قلوب الأطفال منذ سنّ ما قبل المدرسة؟
انصح الأهل وهنا اتحدث عن خبرة بأن يعطوا لأطفالهم الوقت اللازم لهم وذلك لقراءة القصص لهم قبل النوم. إنها خطوة مهمّة جدًا، حيث يستخدم الطفل خياله لرسم الشخصيات والزمان والمكان وهذا ما يزيده من ذكاء وعبقرية. كما أنصح الأهل بإبعاد أولادهم عن الألعاب الالكترونية المنتشرة في عصرنا هذا، إذ إنه يؤذي أطفالنا بشكل خطر ويحد من تفكيره وخياله.
أين موقع المرأة العربية في أدب الطفل اليوم؟
تقدمت كثيرًا في الأعوام الأخيرة وأصبح لديها الوعي الكامل بأهمية المواضيع و اختيارها .
– هل تفكرين في كتابة الأدب والقصص غير تلك المتعلّقة بالأطفال؟
نعم. وبكل صراحة لن اتشجع على كتابتها إلا بعد ان أقرأ المزيد لأن من يقرأ تساوره الرغبة في أن يكتب.
– كيف تنظرين إلى مستقبل القصة في الوطن العربي ؟
أشعر بالأسف تجاه البعض الذين يكتبون قصصا مقتبسة، فيما نحن في مجتمعنا لدينا قصصا تعبّر عن وضعنا ومجتمعنا والقليل من يكتب عنها.
-هل اختلفت حياتك بعد نشر رواياتك؟
رواياتي هي شهادة نجاح أعتز وأفتخر بها… أعتبرها أمانة ويجب المحافظة عليها… أي أشعر بالمسوؤلية بعد أن غيّرت حياتي نحو الأفضل.
– ما كلمتك الختامية للقارئ؟
أتمنى من الجميع القراءة ثم القراءة… نحن نحتاج إلى قراء جيّدين وليس فقط الى كتاب جيدين فالقراءة هي نافذة للحياة والمفتاح لبابها، تعطينا الحرية وتطرد من عقلنا الجهل والتخلف و تزيدنا ثقافة وثقة .