إنه يوم 8 آذار، يوم المرأة العالمي… تحتفل فيه كل النساء لحصولهنّ على حقوقهنّ الإجتماعية والإنسانية، وصولا إلى المساواة مع الرجل في ميدان العمل…
نعم، إنه يوم للإحتفال بنيل المرأة لحقوقها التي للأسف ما زالت مهدورة أو بالأحرى مقموعة في بعض المجتمعات المنغلقة… قد يرى البعض أنّ الكلام عن حقوق المرأة أصبح قديم العهد، لأننا أصبحنا في زمن المساواة بين الرجل والمرأة، خصوصا بعد أن اقتحمت المرأة ميدان العمل بقوّة، وأصبحت ناشطة سياسية، وإجتماعية، وحقوقية وباحثة… ولكن، على الرغم من هذا الإنجاز “المقنّع” ما زال التفكير الباطني يرفض تلك الصورة الجديدة للمرأة بعد أن اعتاد على تلك القديمة المهمشة والمقموعة… ما زالت الأفكار الباطنية تتخبط وترفض الإستسلام لواقع المساواة… قد نسمع الأبواق “الذكورية” تتغنى بتأييدها للمساواة، ولكن في تفكيرها الباطني إنزعاج دفين…
هل هناك أعظم من “مقولة” وراء كل رجل عظيم إمرأة؟ بالطبع، لا. ولكن، هناك من يصل معه الجحود إلى درجة نكران جميلها، وعونها، ومساعدتها لرجل اقتلع منها كلّ طاقاتها، ليبني “إمبراطورته الوهمية” ويتباهى بذكوريته فيحوّل تلك المقولة الراقية إلى أخرى مفادها “وراء كلّ رجل عظيم هو نفسه”…
هل هناك أعظم من المرأة التي تنجب الأجيال المقبلة؟ بالطبع، لا. ولكن، هناك من حرمها من حقوقها، أو بالأحرى منحها القليل من الفتات، حافظا لها صورة “المتعة الجنسية” وفشّة لخلق المشاكل النفسية والإقتصادية، من خلال التعدّي والعنف والإغتصاب لجسدها، وفكرها وكيانها، وحقوقها…
هناك من هو مصرّ على أنها بنصف عقل… هل يجوز لكائن استطاع أن ينجب أهمّ رجال العالم، والقادة والمثقفين والعلماء، أن يكون بنصف عقل؟ من أين اكتملت كلّ قواك العقلية يا رجل؟ أليست تلك المرأة التي تراها أدنى منك هي من علّمتك وسهرت عليك وربّتك على القيم والأخلاق وهي نفسها التي تراها دمية لإطفاء رغباتك الجنسية؟ ألا تخجل من نفسك عندما ترى نساء استطعن أن يتركن بصمة في عالم الفكر والإبداع ويستلمن مراكز قرار مهمّة؟ فالسلك القضائي اصبح يعجّ بالنساء القضاة اللواتي يحكمن بالعدل والإنصاف، والإنتخابات المقبلة تضمّ نساء كثيرات رشّحن أنفسنّ لتمثيل الشعب والمطالبة بحقوقه… هذا ناهيك عن عالم الطبّ، حيث نرى طبيبات ينقذن يوميا الناس من الموت، وممرضات يسهرن على وجع المرضى والمدرسات اللواتي يسهرن على تدريس الأجيال، إلخ…
ألا تخجل من نفسك عندما تبتزّ زميلة لك أم موظفة في مؤسستك بالإيحاءات الجنسية، وفي حال صدّتك ألبستها تهمًا أم قلّلت من كفائتها بحجة التخلّص منها؟ ألا تخجل أن ترفع يدك وتصفع أمك، أم أختك، أم حبيبتك، أم زوجتك، بحجّة أنّك رجل ومن حقك تأديبها؟
ألا تخجل من نفسك أن تُنَصّب لنفسك مهام لم يمنحك إياها الله؟ من قال لك أنّ لديك الحق في التحكم بمصير من حولك من النساء؟ إبنتك لها الحق في إختيار طريقها، وزوجتك لها الحق في إثبات نفسها في المجتمع…
زمن التفريق بين الجنسين قد ولّى… المرأة اليوم عنصر مهمّ في المجتمع، وميزان للطبيعة الكونيّة… منحها الله القدرة على وهب الحياة، وهي قدرة لم يمنحك إياها… لن تقوى أي سلطة على منعها من الدخول إلى معترك الحياة، ولن تفلح المحاولات في التذرّع بأنها متزوجة وأم لأولاد… فالمرأة المتزوجة، بحسب مقال نشرته جريدة “واشنطن بوست”، والتي تنجب أولادًا هي أكثر إنتاجية في ميدان العمل من المرأة العزباء أو التي لم تنجب… بكلّ بساطة، لأنّ أولادها مصدر إلهامها، وعزيمتها، ومسؤوليتها… ومع كلّ مولود جديد، بصيص أمل لحياتها، ودرجة إضافية لطموحها وأحلامها…
المرأة، هي إنسان، وأمّ، وأخت، وصديقة، وحبيبة، وزميلة، وزوجة، وعاملة ناجحة، ومسؤولة، منبع للحياة وعطاء بلا حدود … من الصعب محو ما هي قادرة عليه بكلمة “حاسدة” متناثرة من هنا وهناك… لأنّ…أبواب الجحيم لن تقوى على كيانها وطبيعتها التي قدّسها الله….