1.9K
عند لفظ كلمة “فنّ” لا يُمكن أن يتبادر إلى ذهننا سوى إحساس عالٍ وموهبة إستشعار كلّ ما هو جميل وعميق وخلاق … كذلك، عبارة “فنان”، لا تليق إلا بمن لديه الإبداع، والمقدرة على تجسيد هذه الأحاسيس بلوحة غنائية تمجّد الخالق على ما ترسمه الأنغام من ألحان وغناء وجمال ما بعده جمال… أنغامٌ تسمو إلى أبعد من الحواس الخمس ومن الظاهر الملموس… أنغامٌ تلمسُ الروح، فتسقيها من شدّة عطشها ماء الحياة والأمل، وتغذيها من مذاق الإبتكار والدمج والخلق، لتبهر كل مستمع ومتذوق منخطف إلى عالمه الخاص، والسكران بنشوته على أوتار الآلات الموسيقية والألحان التي تتدفق كالسيل إلى جوف أفكاره وأحلامه وكلامه…
الفنّ نعمة من الله، ومن المعيب الإستخفاف به وإستخدامه وسيلة لمطامع وأهداف دنيئة… وإلا تحوّل إلى نقمة انفجر منه فنّ هابط لا يمتّ إلى مستوى الفنّ الراقي بأي صلة، واتجه إلى ساحة لتفجير بركان جنسي مجبول بالرخص والإبتذال…
الفنّ مسؤولية، سيعكس صورتنا لدى أولادنا، سيُرسّخ انطباعًا في تاريخنا لدى أحفادنا… سيتذكروننا مشيرين إما إلى “حقبة العصر الذهبي للفنّ” أم “حقبة الإنحطاط الفني”… لذلك، لا بدّ من تسخير وسائل الإعلام والإعلان ووسائل التواصل الإجتماعي لرفع وثقل المستوى الفني حتى نبقى في عصرنا الذهبي في الفنّ بغض النظر عن وضعنا الإقتصادي والإجتماعي الذي يفتقر أصلا إلى الدعم من الدولة…

مارك عبد النور
“يجب التمييز بين من يقدّم فنًا بكل ما للكلمة من معنى، وبين من يملك المال ويريد التسلية وتقديم الإيحاءات الجنسية فقط!”، هذا ما يقوله الفنان مارك عبد النور الذي استطاع أن يثبت نفسه في الساحة الفنية بعد أن أثقل مستواه الفني من خلال الخبرة الطويلة، إذ بدأ منذ صغره كعازف مع نخبة من المطربين، واستطاع في عمر الـ23 فقط أن يُصبح قائد فرق موسيقية، منتقلا فيما بعد إلى عالم التوزيع الموسيقي، فتولى التوزيع للعديد من كبار المطربين في لبنان والعالم العربي. واليوم، وبعد أن وقّع إسمه على أهمّ الاعمال الفنية لكبار الفنانين، ها هو يوقّع إسمه على أعماله الغنائية الخاصّة ويتخذ من الغناء خطوة متّسمة بالجدية بعد أن كانت مجرّد هواية، ومن دون أن يتخلى عن حبّه للتوزيع الموسيقي.
هذا ما قاله الفنان الموهوب، الطموح، والعصامي مارك عبد النور لـFeminine Spirit

مارك عبد النور
– كيف اتجهت إلى عالم الفنّ… من شجعك على الدخول في هذا المجال؟
بدأتُ بالعزف على آلة “الأورغ” وتطورت مع الوقت… واتجهتُ إلى قيادة فرق موسيقية في عمر مبكر إذ كنتُ في الـ23 عاما فقط، وعملتُ مع العديد من المطربين. وقد اكتشفتُ في الوقت نفسه موهبة التوزيع فنميتها من خلال إتقانها وتطويرها، ولذلك عملتُ كقائد لفرق موسيقية وموزّع في آنٍ. وبما أنّ لديّ أيضًا موهبة الغناء، قررتُ فيما بعد خوض هذه التجربة من دون التوقف عن التوزيع الموسيقي، واستثمرتُ مجهودي في أغانٍ خاصّة بي بعدما استطعتُ تأمين مبلغ كافٍ لإنتاج الفيديوكليبات… وأكملتُ المسيرة حتى الآن.
– بين التوزيع، قيادة الاوركسترا والغناء، أين تجد نفسك؟ وما الأصعب؟
لا أجد صعوبة في التوزيع ولا في قيادة الفرق الموسيقية ولا في الغناء، ولكن شغفي اليوم هو الغناء والتوزيع في حين أنّ قيادة الاوركسترا أصبحت في حقبة الماضي. أشعر بالسعادة في الغناء والتوزيع معًا، فلذّة الغناء بالنسبة إليّ، هي مقدرتي على التفاعل مع الناس، في حين أنّ التوزيع يحفزني على العطاء من روحي إلى حين أن تُبصر فيها الأغنية النور وتُصبح معروفة.

مارك عبد النور
– يسمع الناس الأغنية جاهزة وملحّنة، ولكن القليل يعلم عن مهمّة الموزع الموسيقي في الأغنية… ما أهميّة دور الموزّع؟
الأغنية مؤلّفة من ثلاثة عناصر: الكلمات، اللحن، ثمّ التوزيع. الموزّع والملحّن يكملان بعضهما البعض؛ فالملحن يستخدم الكلمات ليضفي عليها لحنًا يناسبها… أما الموزّع فهو الذي يجمّل مطلع الأغنية والإيقاعات والـsolo ويحدد إطار جوّ الأغنية ويُقرر ما الآلات التي سيتمّ إستعمالها، كما يحدد طريقة أداء المغني للأغنية… الموزّع هو مخرج الأغنية…
– هل فكرت يومًا بإدخال الموسيقى الغربية إلى تلك الشرقية في أغانيك؟
لم أفكر يومًا أن أدخل الموسيقى الغربية إلى أسلوبي الخاص… ولا أرى نفسي أغني بلغة أجنبية… ولكن، من الممكن أن أضيف لحن أجنبي إلى كلمات باللغة العربية… إلا أنّ إحساسي وطريقة تأديتي للأغاني تتناسب مع الأغنية الشرقية فقط.

مارك عبد النور
– عندما قررت الدخول إلى عالم الغناء، هل أثر هذا الأمر على مسيرتك كموّزع أو على علاقتك ببعض الفنانين ؟
المجال الفني بطبعه “فج”… يتقبلني بعض الفنانين كموزع أكثر من كوني مطربًا… كثيرون توقفوا من التعامل معي في مجال التوزيع لإعتباري منافسًا، علمًا أنّ هذا التفكير غير منطقي لأنني أتعامل مع المطربين الآخرين بموضوعية ومهنيّة… عندما يدخل أي فنان إلى مكتبي يكون دوري موزّعًا، وأقوم بتوزيع الأغنية باحترافية… لم يستطع الكثيرون فصل دوري كموزع من جهة ودوري كمغنٍ من جهة ثانية… وهنا، لا بدّ من التشديد على أنّ من لديه ثقة بنفسه لا يتأثر بدوري كمغني، لأنه يرى في مارك الموزّع المحترف والحساس وليس المنافس.

مارك عبد النور

مارك عبد النور
حدثنا عن المهرجانات الغنائية، والجولات الفنية والحفلات التي شاركت فيها؟
شاركتُ في حفلات كثيرة، ولكن أركز على الأعراس، لأنها بطبيعتها “سلسلة” خصوصا في ظلّ شعور الحضور بالعطش للإستمتاع والرقص والإحتفال مع العروسين، ما يجعل الجوّ مفعمًا بالحياة… ناهيك عن أنّ الغناء في الأعراس لا يؤدي إلى المماطلة أو التأخير في تحصيل حقوق الفنان.
شاركتُ في حفلات في لبنان والخارج مثل لندن وباريس وغيرها… ولكن المهرجانات في الخارج قليلة نظرًا للطقس الحارّ الذي لا يساعد على القيام بذلك…
– ما اللون الذي تتبعه في أغانيك؟ هل تفضّل الطابع الرومانسي أم أنك من الممكن أن تتخذ طابعًا مختلفًا فيما بعد؟
لا أتبع لونًا محددًا… الأغنية الأولى التي تمّ نشرها، تتمتّع بألحان الموسيقى الهادئة وعنوانها “ودعني”، فيما الأغنية الثانية فهي عبارة عن الدبكة اللبنانية وتحمل عنوان “مقضي تمصدي”، والأغنية الثالثة بعنوان “انتو البنات” تجمع أكثر من لون موسيقي ومنها الدبكة، في حين أنّ الأغنية الرابعة التي هي بعنوان “ملكة قلبي” فلها لون مختلف عن الأغاني السابقة وتتميّز بألحان الموسيقى البطيئة وتعكس الكثير من الحبّ والغرام وقد تمّ التصوير مع المخرج سام كيال فيديو كليب لها ويتناول موضوعه “حفلة عرس”…
وحاليًا، أقوم بتحضير أغنية جديدة سيتمّ نشرها خلال فترة شهرين وهي أغنية Slow ومختلفة عن كل الألوان السابقة…
يجب ألا يتقيّد المطرب بلونٍ محدّد، بل أن يجرّب أداء كل الألوان… لستُ ضدّ أن يحترف المطرب لونًا معيّنًا ولكن يجب أن يكون قادرًا على الغناء من دون تفريق بين لون وآخر…
– برأيك، هل الفنان يجب أن يهتمّ بأناقته ومظهره كما هو حال المرأة؟
في عصرنا الحالي، أصبح الشكل أساس، إذ يجب أن يكون هناك على الأقل حدًا أدنى للمظهر اللائق… أصبح التركيز 50 % على الصوت و50% على المظهر والأداء والشخصية الفنية…

مارك عبد النور

مارك عبد النور
– من هو مثالك الأعلى في عالم الموسيقى؟
كاظم الساهر نظرًا للقيمة الفنية والإحترام والمستوى العالي للأغاني والقصائد الطويلة… الجيل الجديد ما عاد يستمع إلى القصائد والأغاني التي مدّتها تطول لتصل إلى الـ15 و 20 دقيقة… ولكن، أنا شخصيًا، مثالي الأعلى هو كاظم الساهر.
– ما التحدي الأكبر لمهنتك اليوم؟
الصعوبة الأكبر هي الإنتاج وهي مشكلة أيضًا لدى الكثير من الفنانين… أصبح المطرب يقوم بكلّ شيء كي يظهر للجمهور بصورة لائقة: عليه أن يبحث عن كلمات أغنية تناسبه، ويدّخر المال لتصوير فيديو كليب والتنسيق مع المتعهد… هذا الأمر يبطئ حركة الفنان، ويبعده عن التركيز على طريقة أدائه وشكله…

مارك عبد النور
– كموزّع موسيقي وفنان، ما تقييمك لمستوى الفنّ اليوم ؟
لطالما تضمّن الجوّ الفني الأعمال الجميلة جدًا، والسيئة، والمتوسطة المستوى… هناك دائما الأغنية الهابطة والرائعة والجيدّة، والمستمع عليه أن يقرر ويختار ما يحبّه… ولكن، المشكلة بأنّ وسائل الإعلام كالراديو والتلفزيون استغلت هذا الأمر لمصلحتها الشخصية، وتبثّ الأغاني التي يُنفق عليها من أجل تسويقها بغض النظر عن مستواها وقيمتها الفنية… يجب التمييز بين الأغاني الجميلة والمبدعة عن تلك الهابطة، وذلك من خلال دعم أصحاب الموهبة… ليس منطقيًا أن يُنفق على الأغاني الهابطة نفس القيمة التي يتمّ إنفاقها من قبل الفنانين الموهوبين الحقيقيين… يجب التمييز بين من يقدّم فنًا بكل ما للكلمة من معنى، وبين من يملك المال ويريد التسلية وتقديم الإيحاءات الجنسية فقط!

مارك عبد النور
– كيف ترى المرأة اليوم في الساحة الفنية؟ لقد مرّ عالم الفنّ في فترة من الفترات بدخول بعض الجميلات من دون أن يكون هناك أدنى مستوى فني… هل هذه المرحلة انتهت وسيشهد الوسط عودة الفنّ الحقيقي؟
اليوم، إنّ وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي تلعب دورًا كبيرًا… يجب على وسائل الإعلام “غربلة” الفنانين ودعم الموهوبين الحقيقيين؛ ولكن وسائل التواصل الإجتماعي أصبح يسوّق أي شخص مهما كان يفعل وبسرعة فائقة، الأمر الذي سرّع بدخول الجميلات إلى عالم الفنّ وهنّ في أدنى مستوى فنيّ… صحيح، أنّ لديهنّ الحريّة الكاملة لفعل ما يشأن، ولكن، أنا شخصيًا، لديّ قناعة بأن الفنّ الهابط سيسقط مع الوقت… الناس لن يتقبلوا الهبوط في المستوى الفني، واللواتي نجحن قمن بتعبئة الفراغ الفني بأمور أخرى مثل الشهرة والتمثيل وتقديم البرامج والكاريزما وغيرها من الأمور…

مارك عبد النور
– إلى أي مدى تلعب المرأة دورها في الأغاني التي تقدّمها؟ ما صورة المرأة المثالية التي يعكسها عبد النور من خلال أغانيه؟
كي تنجح أي أغنية، يجب أن تتضمن “المرأة قبل الرجل”… فالمرأة يجب أن تحب الأغنية قبل الرجل كي “تضرب” الأغنية… فهي بطبعها تحسّ وتشعر أكثر من الرجل خصوصًا إن كانت الأغنية تبثّ قضية معيّنة أم مشاعر ما… المرأة كفيلة بأن تجعل من الأغنية ناجحة…
كل الأغاني التي أقدمها تتوجه إلى المرأة، فهي تعطيني الدافع لإكمال مسيرتي الفنيّة… المرأة والرجل يكملان بعضهما البعض، ولكن المرأة هي الأساس، وصورة المرأة المثالية هي تلك الجميلة النحيفة، بشعرها الأسود، تحبّ الموسيقى، نفسها جميلة، “ما بتنقّ”، “عقلها كبير” كي تتفهّم وضع عملي لأنه صعب ومحاط من النساء في الحفلات، كما أفضل أن تكون زوجتي بعيدة عن المجال الفني، لأنه “أريح راس” من نواح مختلفة: ضيق الوقت والتقلبات من صعود وهبوط في وضع المصلحة، والإلتزامات التي تتطلّب من غياب لأيام عديدة عن المنزل… كلها أمور تخلق جوًا من عدم الإستقرار…فالرجل مسؤول عن العائلة، وإن اضطر الغياب لأيام عديدة، لا بدّ من أن يكون أحد الزوجين قادرًا أن يُسند الآخر في حال ذلك الغياب…

مارك عبد النور
– في حال كانت المرأة التي تحبّها في مجال الفن، فهل تطلب منها أن تترك عملها؟
لستُ أنانيًا، كما أنه ليس لديّ أي حق بأن أفرض عليها بترك عملها، ولكن من الأساس لا أدخل في علاقة رسمية من هذا النوع…

مارك عبد النور
– ما هو جديدك الفني، في الغناء والتوزيع؟
بالنسبة إلى التوزيع، تعاملتُ في العام 2017 مع الفنانة نوال الزغبي وفارس كرم وأصالة نصري، وأمير دندن… وحاليًا هناك تحضيرات عديدة ومنها أيضًا مع نوال الزغبي…
أما بالنسبة إلى الفنّ، أعمل حاليًا على أغنية من كلمات صلاح دلول وألحان أحمد بركات، ومن توزيعي، وقد تمّ تسجيلها في استوديو فادي جيجي… لن أفصح عن اسمها الآن ولكن هي أغنية Slow
– بعيدًا عن الفنّ، ما هواياتك المفضّلة؟ كيف تقضي أوقات فراغك؟
أمارس الرياضة والسباحة، الخروج مع أصدقائي، السينما، والسفر…

مارك عبد النور
-هل تُفكر بالتمثيل؟
عُرض عليّ أدوارًا لتمثيلها ولكن أفضل أن أتريّث قليلا من أجل القيام ببعض الدورات التدريبية… التمثيل في الفيديو كليبات مختلف عن تمثيل الأفلام والمسلسلات…
– ما الطموحات والمشاريع التي تسعى إلى تحقيقها؟
طموحي أن أربح اللوتو (يضحك)… طموحي أن أحصّن نفسي ماليًا من أجل تأسيس عائلة ودعم عملي الفني…
– كلمة أخيرة…
أتمنى أن تصبح نقابة الفنانين مدعومة من الدولة، وأن يصبح دورها أقوى، كي يكون لنا “ظهر” نحتمي به وقت اللزوم… لا شكّ في أنّ النقابة تقوم بدورها ولكن نطمح دائمًا للأفضل…

مارك عبد النور