تُعدُّ المرأة مُكوّنًا رئيسًا للمجتمع، وعنصرًا مهمّا ونشيطًا في تسيير حركة الحياة السياسيّة والإجتماعية والأسرية. وإن كانت قد شغلتْ عبر العصور أدواراً مهمّةً وفاعلة، إلا أنها قد مرّت في مراحل عديدة حولّتها من طاقة مجمّدة إلى أخرى إيجابية.
كانت المرأة تسمع عبارة “تزوجي…فالزواج “سترة” على الرغم من حاجتها إلى العلم والإنخراط في ميدان العمل لإعالة نفسها خصوصًا إن كانت تنتمي إلى أسرة متواضعة. فالزواج كان أمر أساس لها وواجب عليها قبل أن يتعدى عمرها الـ21 والـ22 عاما. كانت تُجبر على قبول أي وظيفة كي ترضى عائلتها إن كانت في حاجة إلى دعم مادي لسدّ المصاريف ولو كان ذلك على حساب راحتها، فتُجبر على تحمّل تحرشات المدير بها، والزميل الذي يريد الزواج بها، ومضايقات بعض الزملاء ومؤامرات البعض الآخر؛ فلا يكون أمامها إلا أن تنحرف أم “تمرّ من بين خيوط العنكبوت” كي تنقذ نفسها.
أما عن الزواج الذي قد يكون في كثير من الأحيان من دون رضاها، فحدّث ولا حرج. كانت تشعر المرأة التي تتزوّج في سنّ مبكر وكأنها رهينة لدى زوجها إذا ما تزوجته من دون حبّ وعن غير إقتناع، وأسيرة مجتمع مستعدّ أن يرشقها بكل ما هناك من حجارة إن حاولت الهروب من واقعها المرير وحاولت أن تطالب بالطلاق. فالطلاق عار، والصمود في جوّ عاصف واجب عليها، وإلا تكون “بنت شارع”! والمشكلة الأكبر عندما تجبر المرأة على التعامل مع أهل زوجها الذين ينتمون إلى مجتمع لا يشبهها، فتكون هي على سبيل المثال من مجتمع متحضر ومنفتح ومثقف، وهو في مجتمع منغلق يقوم على العادات والتقاليد البالية التي تعتمد على القشور في النظرة إلى الأمور، فيقيسون مثلا شرف المرأة بطول فستانها، هذا إضافة إلى التدخلات في الشاردة والواردة…
أما اليوم، فتغيّرت الأحوال بمعدل مئة وثمانون درجة، إذ مع الوعي والإنفتاح الواسع على العالم بواسطة وسائل التواصل الإجتماعي وتمرسها بالعلم كي تصل إلى أعلى درجات الشهادات والوظائف المهمّة وصقل شخصيتها وعدم مبالاتها بثرثرة الجيران والـ”القيل والقال” واقتناعها بأنها المسؤولة الأولى عن حياتها، فأصبحت تشعر بالرضى أكثر وذلك مع مجاراتها لزوجها.
أصبحت تشعر بالمساواة بينها وبينه، فيتعبان سويًا من أجل تأمين حياة عائلية كريمة، متصالحة مع بعضها… أصبحت تقرر مصير حياتها بنفسها من دون تدخل أحد.
ولذلك، نجد اليوم فتيات تخطين الثلاثين لكنهنّ لا يشعرن بحالة نقص كما في الماضي وأصبحت كلمة “عانس” قديمة الطراز. الفتاة اليوم ما عادت تفكر بالزواج إلا إذا وجدت الشخص المناسب لها من شخصية واحتوائه لها؛ فهي أصبحت تدرّ مدخول على نفسها أكثر من الرجل، واتكالها الكلي على نفسها وهو سبب من الأسباب التي أصبحت فيه المرأة تؤخر فيه زواجها، هذا إضافة إلى أسباب أخرى وهي كلّ من الثقة الزائدة بالنفس وتحصيلها للشهادات العليا.
ويبقى القول إنه مهما بقيت المرأة في بعض المجتمعات المنغلقة والبيئات المتحفظة ترسم إطارًا محدودًا وضيّقًا للمرأة، لا يُمكن أن ننكر أن مفهوم المساواة لا صحّة منه طالما أن المرأة كالرجل ولدت من التراب وإلى التراب ستعود، وما يحدده المجتمع من مفاهيم خاصة مسيئة للمرأة تبقى إجحافًا ونكرانًا لحقيقة أوجدها الله وإنما تطلّبت الظروف مراحل عديدة للوصول إلى ما توصلّت إليه…