هل نحن سعداء في المقياس العالمي، لما نكتب ونقرأ ويقرأ عنا؟. الإجابة وفق «ريختر» السعادة، وعلى أبواب معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، درجات متصاعدة من الذاكرة الخبيئة في الملاجئ إلى طقوس الموت وفنون البارود والأمل في العيش على قارعة طريق أو منفى لا يأخذ إلى حكام طاغية. لكن المشهد ليس بالضرورة أن يكون رمادياً بأسره في بلدان ما زالت تقاوم باسم رسم ابتسامة على شفة طفلة تلوح للريح بينما تطير طائرة ورقية تستودعها والبحر أمانيها، ويبقى تشخيص المعضلة في ذلك الشق الثاني من قول الجاحظ: «الأفكار ملقاة على قارعة الطريق.. المهم كيف نتناولها»، والمشكلة أن ثمة إفراطاً في تناول الوقائع والمتغيرات سادة بلا سكر، على حسب عادات العرب، فكان أن انفرط عقد السعادة وجاءت البلدان العربية في مراتب متأخرة من قائمة البلدان الأكثر سعادة وتربعت على عرش الأدب الروائي روايات بعناوين قاتمة تحمل واقع حال العربي من نصف الكوب الفارغ وقد ترك النصف الملآن ضمن احتياطات الدول للآتي الغامض.
وفي دواعي افتقاد السعادة العابرة بخفر على غلافات الإصدارات العربية الأخيرة، تلك العناوين التي تحملها قائمة الروائيين الذين تأهلت أعمالهم إلى الجوائز الأدبية، وكأنها قائمة بمراثي كثيرة بدءاً من رواية «ساعة بغداد» التي تنقل على لسان طفلة، يوميات عائلة في ملجأ محصن من الغارات، إلى الروايات: «زهور تأكلها النار» و«وارث الشواهد» و«الحالة الحرجة للمدعو ك» و«حرب الكلب الثانية» و«الخائفون» و«آخر الأراضي» و«حضن التراب» و«الطاووس الأسود».
أما في المقلب الغربي من الـ«توب تن» الأدبي، فاللهجة تنحو أكثر اتجاه التفكّر في الحالات التي بلغها الإنسان على هذه الأرض من الشعور بالغربة في الوطن وخارجه إلى وقع الخيانات الزوجية وقضايا عن الدين والقسوة القبلية وعلاقة الآباء والأبناء والجمال والجنس والتفكير في ما قد تبدو عليه نهاية العالم والسبل العملية في الإقلاع عن «تدخين» وسائل الإعلام الاجتماعي. أما القائمة القصيرة التي احتلت المراتب الأولى لدى القارئ الغربي، فإنها عن موضوعات تتناول: إيقاع المدينة المحموم والشعور بالغربة في أحيائها، الثرثرة، الثروات التي تولد في العالم نتيجة حادث ايجابي، حكاية عن الحزن والأسطورة والموسيقى والاضطهاد، حقوق المرأة، متلازمة داون، ألزهايمر، والسؤال العالق في رواية: لماذا يجد بعض الناس العيش أكثر صعوبة من الآخرين؟، وثمة مساحة وافرة للخيال العلمي من منطلق قناعة: «إن عالم الروايات الخيالية ليس بعيداً عن عالمنا»..
وباستعراض العناوين ما بين «غربية» و«شرقية»، يسهل وضع الإصبع على الأرقام الأخيرة التي تفيد بتدني نسبة القرّاء في العالم عموماً، كون القارئ بات يبتعد عما يشغل هواجسه لصالح بدائل أخرى أكثر سعادة عبر المدونات والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، لترسو السفينة على عشر دقائق متوسط القراءة لكل مواطن عربي سنوياً مقابل 12 ألف دقيقة للمواطن الغربي، وتكون الخلاصة: ربما يحتاج الكاتب في رحلة البحث عن تسطير السعادة للقارئ، وبالتالي مصالحته مع اللغة والكتاب والأدب عموماً، إلى «نفس» الجاحظ الذي أجاد في الزمن الغابر توظيف دمامته وقبح ملامحه وجحوظ عينيه وفقره واضطراره إلى بيع السمك والخبز نهاراً لقاء ما يسد جوعه وجوع أمه التي تبرأت بدورها منه لكثرة شغفه بالكتاب والمكتبات، ليخط من كل تلك الخلطة الداكنة أدباً مشغولاً بفكاهة وحياة تهز الأرواح وتجتذب النفوس.
هذه الأيام ربما نحتاج إلى أن نستذكر الجاحظ، وتحديداً ما ورد في كتاب الحيوان: «إنِّي أوشِّح هذا الكتابَ وأفصِّلُ أبوابَه، بنوادِرَ من ضُروبِ الشِّعر، وضروبِ الأحاديث، ليخرجَ قارئُ هذا الكتاب من باب إلى باب، ومن شكل إلى شكل؛ فإنِّي رأيتُ الأسماعَ تملُّ الأصواتَ المطْرِبَة والأغانيَّ الحسنة والأوتارَ الفَصيحة، إذا طال ذلك عليها، وما ذلك إلاَّ في طريق الرَّاحة، التي إذا طالت أورثت الغفلة»، مع فارق أن الذي استهلكه الأدب هو كثرة النواح واللطم والنق، وأبداً ليست الأغاني الحسنة.. فهل من يستجيب ويعدل في الكتابة من أسود إلى حياة بلمسات فنية؟.