عُرفت المرأة لفترة طويلة بدورها داخل المنزل، فوُضعت داخل وعاء مرتدية نظارات بزجاجات “ورديّة” لترى من خلالها حياة مثالية “وهميّة” وذلك بإقناعها فقط بقدرتها على القيام بمهام “فطرية”… فاهتمّت في الأمومة وتربية الأولاد وتنظيم شؤون بيتها، متشرّبة بذلك الذهنية “الذكورية” حتى أصبحت في فترة من الفترات مقتنعة بالحدود الموضوعة لها والمصير المقرر عنها والمهام المرسومة لها، من دون الأخذ بأي إعتبار لرأيها…
ولكن، كالفراشة، بدأت المرأة تنمو تدريجيًا، وذلك في ظلّ التطوّر التكنولوجي والإجتماعي والثقافي والعلمي والإنفتاح الكوني؛ فاجتازت أولا مرحلة “اليرقة” حين أقرّت لنفسها بحقوقها المكتسبة وخياراتها اللامحدودة لمصيرها، ثمّ مرّت بمرحلة “الشرنقة” حين انكبّت على كلّ الأعمال والنشاطات والندوات المندّدة بدورها والمطالبة بحقوقها، وصولا إلى تلك المرحلة التي أصبحت فيها “فراشة كاملة” قادرة على مواجهة قدرها واختراق معترك الحياة بمختلف جوانبها، من خلال مشاركتها في الحياة السياسية والإجتماعية والعملية والعلمية وغيرها…
نعم، خرجت المرأة من قوقعتها، وأحرزت انتصارات جمّة، مثبتة أنه لا يُمكن الإستغناء عنها… ومنذ العام 1979 قامت بالمطالبة بإلغاء كل أنواع الإجحاف بحقها… كما سجلت الإنتخابات النيابية الأخيرة أعلى نسبة مشاركة نسائية في تاريخ الانتخابات البرلمانية اللبنانية، مع ترشح 111 امرأة من أصل 976 مرشح، ومع ذلك تشير إحصاءات الى تمركز لبنان في المرتبة 143 من أصل 144 دولة مدرجة في الترتيب العالمي لجهة تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة وفي مجمل مواقع صنع القرار العام… إذ وصلت 6 سيدات من مختلف الكتل النيابية إلى سدة البرلمان من أصل 128 نائب، كما توجد وزيرة واحدة فقط في حكومة تصريف الأعمال!
دليل يعكس واقعًا مريرًا، لأنه على الرغم من اجتياح المرأة ميدان العمل في القطاع الخاص، ما زالت مشاركتها في القطاع العام خجولة جدًا، علمًا أنه حتى في القطاع الخاص ما زالت المرأة تُعاني من متاعب عديدة مثل مشكلة التحرّش الجنسي والمضايقات النفسية، ناهيك عن إعطائها أدوارًا ثانوية إدارية في الأعمال التجارية وغيرها…
أما بالنسبة إلى تزويج القاصرات اللواتي لم يبلغن بعد الـ18 عامًا فحدّث ولا حرج… إذ ما زلنا نلاحظ في لبنان، على الرغم من كل التطوّر الإجتماعي، أنّ بعض البيئات وخصوصًا الفقيرة منها، ما زالت تَحرُم بناتها حرية إختيار شريك الحياة، فيتمّ تزويجهنّ من دون الإلتفات إلى الصحة الجسدية والنفسية لهنّ، غير آبهين بالمعاناة والألم الذي يُمكن أن يشعرن به نتيحة واقع فُرض عليهنّ، ولم يرغبن عيشه قط…. هذا ما يقوله النائب إيدي أبي اللمع، الذي يرى أنّ “العقلية الذكورية” ما زالت تمنع المرأة من التمثيل الصحيح في الحياة السياسية، كما تنغص على القاصرات حياتهنّ في الزواج المبكر.
أبي اللمع، الذي استلم ملفّ المرأة منذ نجاحه في الإنتخابات، يؤكد على موقفه الرافض بزواج القاصرات دون الـ18، ولا يتقبّل بأي شكل العنف الأسري… قد تكون شخصيته النبيلة والراقية هي من دفعته إلى استيلام ملفّ تهتمّ النساء عادة باستيلامه أكثر من الرجال… أو قد يكون من جهة أخرى، دليل على أنه يكفي أن يكون الإنسان إنسانًا كي يُدافع عن أي ملف يراه بنّاء من أجل التطوّر بعيدًا عن الأفكار والذهنيات “الذكورية” البالية التي تُفرّق بين الجنسين…
في دردشة عفوية، هذا ما قاله النائب إيدي أبي اللمع لموقعنا Feminine Spirit
– سبق لكم أن شددتم على أهميّة تفعيل دور المرأة وحضورها في العمل السياسي خصوصًا وأنّ لها دورًا قويًا في المجتمع والحياة اليومية… كيف ترون دور المرأة اليوم في الميدان السياسي؟
ما زال دور المرأة غير مكتمل وفاعل في السياسة، إذ على الرغم من أنّ الإنتخابات النيابية الأخيرة قد سجلت أعلى نسبة مشاركة نسائية في تاريخ الانتخابات البرلمانية اللبنانية، إلا أنّ وصول المرأة إلى سدّة البرلمان يبقى في إطار الأقلية، ولهذا السبب تطالب جمعيات نسائية كثيرة بالـ”كوتا” كمرحلة أولى. ولكن، ما زالت الـ”كوتا” لم تحصل على إجماع وموافقة الأحزاب اللبنانية كلّها… أعتقد أنّ موضوع الـ”كوتا” لا يُنقص من قيمة المرأة ودورها، إذ كثيرًا من الدول الأوروبية بدأت بوضع “كوتا” تحفيزًا لتعزيز دورها كمرحلة أولى في العمل السياسي.
– برأيكم، هل السبب في تدني المشاركة السياسية للنساء هو نتيجة نظرة المجتمع إليها، إذ على الرغم من إعتراف الكثيرين بحقها في مساواتها مع الرجل، ما زال في اللاوعي هناك رفض بأن تكون قيادية ويُفضل دائمًا الرجل القيادي عليها؟
إنّ تدني المشاركة السياسية للنساء هو نتيجة النظرة “الذكورية” في المجتمع اللبناني، إذ على الرغم من إعتراف الكثيرين بحقها في المساواة مع الرجل، ما زالت التربية “ذكورية”، وما زال المجتمع في اللاوعي يرفض أن تكون المرأة قيادية ويُفضل دائمًا الرجل القيادي عليها… ولكن، برأيي، هذا الأمر لا يمنع من ترشح النساء لمراكز القرار وتفعيل دورهنّ أكثر من خلال المشاركة الأكبر في الحياة السياسية. يجب تغيير تلك الذهنية “الذكورية”، من خلال التربية في المنزل، والتوعية في المدارس، كي تتغيّر من جهة نظرة الرجل تجاه دور المرأة في المراكز القيادية، وكي تُصبح المرأة مقتنعة أكثر بنفسها وبدورها الفعال من جهة أخرى…
وفي هذا السياق، أركز على ضرورة تفعيل دور المرأة أيضًا، في مجالات تنظيم المشاريع وريادة الأعمال والمقاولة والأعمال التجارية… فالمرأة، تُعطى عادة أعمالا إدارية بأدوار ثانوية، ويُنتقص من دورها كعنصر أساس في عالم الأعمال والتجارة…
– ما المانع من أن تكون المرأة قيادية، كما نرى في كثير من الدول الأجنبية حيث تستلم المرأة رئاسة البلاد؟ هل هناك حاجة إلى تأهيل ليكنّ قياديات لوظائف إدارية والمشاركة في الحياة السياسية؟ ما العوائق التي تمنع المرأة من استلام هذه المراكز بسهولة؟هل استطاع كادر النساء في حزب “القوات اللبنانية” من تشكيل قوة حقيقية لتغيير دور المرأة في المجتمع اللبناني؟
على الصعيد الشخصي للمرأة، لا نرى أي مانع من أن تكون في مراكز قيادية، وليست في حاجة إلى أي تأهيل، لتكون من القياديات لوظائف إدارية والمشاركة في الحياة السياسية… والعوائق التي تمنع المرأة من استلام هذه المراكز القيادية بسهولة، هي الذهنية “الذكورية”، والتربية والبيئة، كما أشرنا سابقًا. ولكن، نحن، كحزب “القوات اللبنانية” أعطينا المرأة أدوارًا قيادية مهمّة، إذ إنّ الأمينة العامة في الحزب شانتال سركيس، هي المرأة الأولى التي تستلم هذا المنصب في حزب لبناني، ورئيسة جهاز تفعيل دور المرأة في المجتمع في الحزب مايا زغريني تقوم بمهامها على أكمل وجه لتعزيز دور المرأة على الصعيد الحزبي. هذا إضافة إلى إدخال الحزب لمشاركة النساء في الإنتخابات حتى ولو لم يفزن كلّهنّ، إذ في المتن تقدّمت ثلاث نساء للترشح للبرلمان. وما تقوم به النائب ستريدا جعجع من دور مهمّ على المستوى النيابي من جهة، والإنمائي في منطقتها من جهة أخرى، مثل الحماية البيئية والمشاريع التحتية، عمل جبّار على هذا المستوى.
– هل مشاركة المرأة في السياسية تجعل من الأحزاب أكثر نجاحًا؟
تساهم المرأة مثل أي رجل في الحزب والعمل السياسي، الوزاري والنيابي وغيرها من المسؤوليات العامة في نجاح الحزب. ولكن المطلوب هو أن يُمنح لها دورًا أكبر في هذا الشأن.
– بعيدًا عن الشأن العام، نلاحظ أنّ المرأة ما زالت تعاني من إجحاف وإساءة في ميدان العمل… كثيرات يتعرّضن للتحرشات الجنسية والإبتزاز من أجل البقاء في العمل…وكأنّ هناك غياب لـ”ميثاق أخلاقيات العمل” Code d’ethiques au travail … ألا يُمكن سنّ قانون يحمي المرأة في ميدان العمل من التحرشات التي يُمكن التعرّض إليها وإيجاد مرجع يُمكنها اللجوء إليه من أجل تقديم الشكاوى؟
يشكل التحرش الجنسي ضربًا من ضروب العنف المادي أو المعنوي الذي يتخذ أشكالاً مختلفة، ولا سيما بالأقوال أو الأفعال أو الإيحاءات الجنسية، الشديدة التأثير على كرامة النساء أو الفتيات، خصوصًا عندما تكون واقعة على من هي في موقع الضعف الإجتماعي أو المهني أو الوظيفي، في إطار الوظيفة العامة أو العمل الخاص. هناك مشروع قانون مقدّم وجاهز، يرمي إلى معاقبة التحرش الجنسي، وافق عليه مجلس الوزراء وأحيل إلى المجلس النيابي لإقراره…
– ما مشاريعكم المستقبلية…
لقد سبق أن تقدّم عضو كتلة “القوات اللبنانية” النائب إيلي كيروز والنائب ستريدا جعجع باقتراح قانون يرمي الى إلغاء الماة 562 من قانون العقوبات، أو ما عرف خطأ بجرائم الشرف، وقد صادق المجلس النيابي عليها وتمّ إلغاء المادة المذكورة.
كذلك، تمّ اقتراح مشروع قانون بموضوع التحرش والعنف الأسري وتعديل بعض بنوده، إضافة إلى موضوع الـ”كوتا” النسائية…
ولكن، تجدر الإشارة إلى أنّ رأينا في الحزب بالموضوع الذي يتناول “الزواج المبكر” ثابت… إذ نحاول تغيير بعض المفاهيم السائدة البالية التي تخطاها الزمن ولم تعد صالحة ولكنها ما زالت تتلطى خلف العادات والتقاليد وبعض الأديان… من هنا، كان اقتراح قانون لحماية الأطفال من “التزويج المبكر” تقدَّم به النائب إيلي كيروز إلى مجلس النواب.
هناك بعض الطوائف التي تسعى إلى جعل “الإستثناء” في الزواج دون الـ18 عامًا هو “القاعدة”، ونحن نعمل جاهدين إلى التقيد بالـ”قاعدة” والتخلص من ذلك “الإستثناء” لأنه في حال السماح به ينتشر بسرعة ليُصبح هو “القاعدة”!
نحن نسعى إلى التقيد بـ”قاعدة” عدم الزواج دون الـ18 عامًا، خصوصًا وأنّ لبنان إضافة إلى القانون، ملتزم أيضًا بأحكام مواثيق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقضاء على كلّ أشكال التمييز ضد المرأة، ومصادقته على اتفاقية حقوق الطفل عام 1990 التي عرَّفت الطفل بأنه “الإنسان الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره”، وتوحيد المشرع بين سنَّي الرشد المدني والجزائي عبر اعتبار أنَّ “أي شخص أتمَّ سن الثامنة عشرة من عمره يكون قد بلغ سن الرشد الجزائي وصار أهلاً لأن يُسأل مسؤولية تامّة وأن توقع عليه أي عقوبة”.
فزواج القاصرات، إن كان بضغط من الأهل أم من تلقاء أنفسهنّ، يكون عادة نتيجة للهروب من الفقر والوضع الإقتصادي السيء، فتكون النتيجة مدمّرة، وذلك بسبب عدم الإستعداد الجسدي والنفسي، وغياب الجهوزية للمسؤوليات الزوجية والأمومة المبكرة… فكم من فتاة دون الـ18 عامًا توفيت خلال عملية الولادة لعدم تحمّل جسدها، وكم من أخرى تدهورت قدرتها النفسية والصحية …
-كلمة أخيرة…
منذ انتخابي، استلمتُ ملف المرأة وشاركتُ في كافة الندوات والمؤتمرات المتعلّقة بشؤونها، بدءًا بموضوع العنف الأسري وصولا إلى منع زواج القاصرات، ومشاركتها في الإنتخابات والـ”كوتا” النسائية. وقد وقّعنا مع أحزاب عديدة على مشروع ملف العنف الأسري، وتمّ التعديل فيه كي يطاول بنودًا أخرى متعلقة بالعائلة وليس فقط بالمرأة مثل البند المختص بمنع العنف ضد العائلة.
سأكثف مشاركتي في الندوات، من أجل الإقتراب أكثر من شجون المرأة في المجتمع واقتراح مشاريع قوانين، كما سأعمل على زيادة تعاوننا كحزب مع الكثير من الجمعيات النسائية والأسرية حفاظا على تأمين مستقبل مشرق للأجيال المقبلة….