3K
منذ بداية العصر الحجري القديم، أوجد الإنسان الإختراعات لتأمين كل ما هو فعال وناجح وذي فائدة لمتطلباته الحياتية… ولعلّ أهمّ ما قام باختراعه، هي المدرسة، تلك المؤسّسة الاجتماعية الثقافية والتربوية الهادفة إلى تنشئة أجيال المستقبل لإيجاد بيئة مُناسبة للنُموّ العقلي والجسدي والاجتماعي والسلوكي. فالتلعيم يؤثر في تحسين ظروف الحياة بمختلف جوانبها، وخصوصًا الإقتصادية إذ يُساعد على رفع المستوى المعيشي للفرد وتحقيق النمو الإقتصادي والصناعي للمجتمع، من خلال تهيئة المرء على تطوير القدرات والكفاءات والمؤهلات والمهارات الفنية أو العلمية المختلفة التي يتطلبها سوق العمل.
فالخبرة ما عادت تكفي، لأنّ الشهادات أصبحت “جواز السفر” لإختيار الوظيفة المناسبة. واستنادًا إلى الدستور اللبناني، يتضمّن النظام التربوي الحرّ، ثلاث مراحل وهي الابتدائيّة والإعداديّة والثّانوية، قبل الإنتقال إلى المرحلة الجامعية. وعلى الرغم من إلزامية المرحلة الأساسية لجميع اللبنانيين، أصبح للتعليم أهميّة كبرى لدرجة أنّ المرحلة الثانوية وحتى الجامعية ما عادت تكفي، إذ إنّ الإهتمام اتجه نجو الدراسات العليا تماشيًا مع الطموحات والأهداف المستقبلية.
إلى ذلك، نرى أنّ الأهل أصبحوا يركزون على تعليم أولادهم وتثقيفهم، معتمدين شتى الوسائل من أجل رسم مستقبل زاهر وناجح لهم… وما عادت الحصص المدرسية تكفي، بل إنّهم أصبحوا يُسجلون أولادهم في المعاهد الخاصّة بعد الإنتهاء من الدوام المدرسي من أجل دراسة إضافية، وكتابة الفروض خصوصًا إن كانوا يعملون دوامًا كاملا ولا يجدون متسعًا من الوقت لتدريس أولادهم، أم لأنهم قد يئسوا من نتائج إمتحانات أولادهم السلبية على الرغم من مجهودهم في مساعدتهم، فاتجهوا عندها إلى معاهد متخصصة علّها ترفع من المستوى الدراسي والذهني لديهم…
“ما في تلميذ كسلان!”، هذا ما تقوله صاحبة معهد The Brainbox Center إيليان برباري، مؤكدة أنّه لكلّ تلميذ قدراته الخاصة وإنما يحتاج إلى طريقة تتناسب مع هذه القدرات من جهة، كما أنه يحتاج إلى الشعور بالسعادة أثناء الدرس، من جهة أخرى.
وتضيف: “نتعامل مع التلميذ في المعهد بكل دقة ونأخذ بالإعتبار وضعه النفسي… ونعتمد في المعهد استراتيجية “مونتيسوري”… وتتناول هذه الاستراتيجية، تزويده بالمعرفة من خلال تقديم الأدوات التعليمية كي يستعشر بها الطفل عن طريق حواسه، وبذلك يمزج التلميذ العلم باللعب فيمرّ الوقت بسلاسة وبإفادة…”
برباري، متخصصة في البيداغوجيا أي علم التربية، تنصبّ في عملها على تنمية المعهد من خلال رفع المستوى العلمي للتلاميذ، من خلال تأمين جوّ مريح وآمن يتخلله الكثير من الإفادة والإهتمام لتطوير مهارات كل من يحتاج إلى دعم نفسي وفكري…
هذا ما قالته برباري في دردشة لها لموقعنا Feminine Spirit
– ماذا تخبرينا عن معهد Brainbox ؟ متى بدأت بمشروع التعليم؟ ما الهدف من هذا المشروع؟
أحبّ مجال التعليم، وقد قررتُ أن أسلك هذا المجال في حياتي المهنية، فاتخذتُ القرار وبدأتُ فورًا بتنفيذ المشروع. أما الهدف من المعهد، فهو لمساعدة التلاميذ المحتاجين إلى مجهود إضافي في الحقل الدراسي من جهة، ولمساعدة الأهالي العاملين الذين لا يملكون الوقت لتدريس أولادهم نتيجة دوامهم في العمل من جهة أخرى.
– بماذا يتميّز معهدك عن غيره من المعاهد في لبنان؟
يتميّز معهدنا عن غيره من المعاهد في لبنان بأنه يُحبّب التلميذ بالعلم والدراسة، فيتعلقون بالمكان حيث يشعرون فيه بالأمان والراحة والطمأنينة. يشعرون وكأنهم في منزلهم، إذ يُمكنهم إرتداء الشباشب، وتناول الطعام فور العودة من المدرسة؛ فالمعهد يُؤمّن أطباقا يومية لمن لم يجلب معه وجبة الغذاء. كذلك، يؤمن الجوّ العام للمعهد وديكوره الراحة النفسيّة للتلميذ، كما يُقدّم له القرطاسية اللازمة وكل ما يحتاجه من كتب موجودة في مكتبة المعهد، كوسيلة لتحفيز التلميذ على القراءة. كذلك، توجد الهدايا في المكتبة لمن يرغب في الشراء.
أما الميزة الأهمّ بالنسبة إلى معهدنا فهي تتمثل في مقدرة المعلمين على استيعاب التلميذ والعمل معه استنادًا إلى طريقة إدراكه وطاقته في الإستيعاب، فعلى سبيل المثال، إن كان يعاني الطالب من مشكلة في حفظ المعلومات نعتمد أسلوب تقديم كل ما يحتاجه من خلال فيلم يروي مضمون المادة التي يدرسها في الحصة، وهذا الأمر نعتمده في كل من مادتي التاريخ والجغرافيا. كما نعتمد أيضًا الرسومات البيانية والعمل البحثي عبر الـ”إنترنت”.
كذلك، يتميّز معهدنا بوجود صالة لمشاهدة التلفاز بعد الإنتهاء من الدرس، فيستفيد أيضًا التلميذ بتحسين لغته العربية من خلال الإستمتاع بالرسوم المتحركة.
كما أننا خلقنا فكرة جديدة وهي عبارة عن Spa أي منتجع خاص لإزالة التوتر والضغوطات النفسية عن التلاميذ وخلق جو من المرح والسعادة والتسلية.
هذا ناهيك عما يُقدّمه المعهد من حصص خاصة لتعلّم العزف على الكمان، والرسم والبالية، والـBreakdance وغيرها من النشاطات المفيدة لصحة التلميذ الذهنية…
– من الفئات العمرية التي تلجأ إلى المعهد؟
يستقبل معهدنا الطلاب بدءًا من الصف الأول الإبتدائي للمرحلة الأساسية وصولا إلى طلاب المرحلة الثانوية.
– برأيك، ما البيئة المثالية التي يجب تأمينها للتلميذ؟
“ما في تلميذ كسلان!”، فلكلّ تلميذ قدراته الخاصة وإنما يحتاج إلى طريقة تناسب قدراته من جهة، والشعور بالسعادة أثناء الدرس، من جهة أخرى، بدلا من الإحساس بالكآبة واليأس أو كأنه معاقب. ولهذا السبب، نؤمن في المعهد جوّا مريحا للتلميذ، ليشعر بالطمأنينة والراحة النفسية والرغبة في الدرس وإحراز التقدم. كذلك، نحفز التلميذ على الدرس وتكثيف مجهوده من خلال خلق جوّ من التحدي بينه وبين نفسه، فإذا لم يُسجل حضوره بالغياب لأي حصّة، يحصل على قسيمة بمبلغ 250 ألف ليرة، وفي حال أحرز تفوقًا في امتحاناته يحصل على قسيمة بمبلغ 500 ألف ليرة، ومع زيادة هذه القسائم، يحصل على جائزة من محلّ الألعاب الموجود في معهدنا.
– إنّ تطوّر التلميذ على ماذا يعتمد؟ هل على حالته الذهنية ومستواه الذكائي أم على مجهود المعلّم؟ ما العناصر التي تساهم في تحسين مستوى التلميذ؟
إنّ تطوّر التلميذ يعتمد على عناصر عديدة، بدءًا بمجهود المعلّم والجوّ العام للمكان حيث يدرس، وصولا إلى مجهوده الخاص. فالحالة الذهنية والمستوى الذكائي للتلميذ يلعب دورًا أيضًا إلى جانب مجهود المعلّم؛ فهناك حالات في معهدنا شهدت تطورًا كبيرًا وانتقلت من حالة معدمة وصولا إلى إحراز نجاح ملحوظ. كما أنّ هناك حالات تطلّبت منا orthophoniste أي معالج خاصّ للنطق، ودروس خصوصية.
– ما الاستراتيجيات التي تعتمدونها في المعهد من أجل تطوير مستوى التلميذ الدراسي؟
هناك استراتيجيات عديدة، ولكن نعتمد في المعهد استراتيجية “مونتيسوري”، الدكتورة، المربية، الفيلسوفة، الطبيبة، العالمة والمتطوعة الإيطالية، والتي تُعتبر المرأة الأولى في إيطاليا التي تتأهل كطبيبة ومن أعمالها المهمّة تلك مع الأطفال المعاقين. وتتناول هذه الاستراتيجية، تزويد المعرفة من خلال تقديم الأدوات التعليمية كي يستعشر بها الطفل عن طريق حواسه، وبذلك يمزج التلميذ العلم باللعب فيمرّ الوقت بسلاسة وإفادة.
– خارج المعهد، ما الخطوات التي يجب اعتمادها الأهل من أجل تحسين مستوى التلميذ في الدراسة؟
عادة، يأتي التلاميذ إلى معهدنا بعد انتهاء دوام المدرسة، فيكتبون فروضهم ويدرسون ويرجعون إلى منزلهم منتهين من واجباتهم المدرسية. هناك بعض التلاميذ الذين يدرسون حتى بعد انتهاء حصصهم في المعهد، ولكن أرفض شخصيًا أن يُجبر التلميذ على الدرس الإضافي لأنه يحتاج أن ينمو كأي ولد طبيعي، وتأمين الراحة والصفاء الذهني والوقت كي يلعب ويتسلى. ولذلك، أطلب من التلاميذ كتابة الملاحظات التي يدرسونها في المعهد كي يطمئن الأهل إلى أداء أولادهم الدراسي.
– هل هناك حالات ميؤوس منها؟ كيف تتعاملين مع هذه الحالات؟ ما الصعوبات التي قد تواجهك في المعهد؟
على الرغم من أنني مع فكرة عدم وجود تلميذ كسول، إلا أنه لا يُمكن إنكار بعض الحالات الميؤوس منها. ولذلك، في هذه الحالة، أعلم الأهل بوضع التلميذ والتأخير الذي يُعاني منه. وبما أنّه من الصعب إقناع الأهل بأن يُعيد التلميذ بعض الصفوف كي يستعيد النقص الذي يُعاني منه، فإنني أطلعهم على أنني لا أعدهم بنجاح مؤكد لأولادهم.
– هل لديك أطباء نفسيين لمتابعة حالة كل تلميذ؟ قد يُعاني التلميذ من مشاكل نفسية تؤثر على مسيرته وأدائه الدراسي…
نتعامل مع التلميذ في المعهد بكل دقة ونأخذ بالإعتبار وضعه النفسي… نفسية التلميذ مهمّة جدًا، والمعنويات العالية يُمكن أن تُساعده لتخطي الإمتحانات بكل نجاح وصولا إلى التفوّق… في بعض الحالات الحساسة جدًا، يُمكن ملاحظة مثلا أنّ التلميذ لا يستطيع تحمّل الضغوط ولا استيعاب كميّة المواد، فينجح في الإمتحانات النصف نهائية، ويُعاني في الإمتحانات النهائية فينجح بصعوبة؛ هنا نعمل على إيجاد طريقة لتسهيل الضعوطات التي يعانيها التلميذ ونرفع معنوياته قدر المستطاع. وفي حال كان التلميذ يُعاني من مشاكل نفسية صعبة، نتيجة طلاق والديه أم صرامة تربيتهما له، عندها نطلب من طبيب نفسي أو اختصاصي في علم النفس بالتواصل معه في معهدنا حتى ولو لم يكن لدينا أطباء نفسيين في المعهد، وإنما لدينا تواصل مستمر مع اختصاصيين في هذا المجال.
– ما النصيحة التي تقدمينها للأهل الذين يصيبهم القلق من وضع أولادهم الحرج في الدراسة؟ هل هناك حل دائمًا لوضعهم؟
يجب ألا يصيبهم القلق وإنما أن يثقوا ويؤمنوا بقدرات أولادهم، لأنّ أولادهم في حاجة إلى معنويات عالية بدلا من الترهيب وإخافتهم… ولكن، في حالات جدًا استثنائية، عندما تكون هناك صعوبة نتيجة حالة ميؤوس منها، عندها أنصحهم بتسجيل أولادهم فيما بعد في معاهد مهنية.
– هل تقومين في المعهد بإعداد الدورات التدريبية للمعلمين؟
لا نقوم بالتدريبات، وإنما لا نستقبل في معهدنا سوى الإختصاصيين وأصحاب الشهادات. كما أننا نقوم باختبار المعلّم قبل مباشرته في الحصص الدراسية.
– ما مشاريعكم المستقبلية؟
ما يهمني حاليًا هو تنمية المعهد من خلال المحافظة على المستوى العلمي المطلوب، وجودة التعليم. ما يهمّنا هو النوعية وليست الكمية، ولذلك، نهتمّ بتطوير مستوى التلاميذ بدلا من البحث عن أعداد أخرى للإنضمام إلى المعهد.