القراءة مفتاح باب الإبداع للكاتب الموهوب، والعمود الفقري لتنمية مهاراته وتطويرها، والمنصة الأولية للإنطلاق نحو العالم الآخر حيث ترقص الحروف على أنغام الخلق والإبتكار والأحاسيس المرهفة… وإن كانت القراءة تلعب دورًا مهمًا في حياة الكاتب بصورة خاصة، فإنها تعتبر بصورة عامة الغذاء الذهني والثقافي في حياة الإنسان؛ إذ تُساعد على تنمية الفرد من خلال الاستفادة من أوقات فراغه، لتنمية مهاراته الفكرية وقدرته على التعبير والتحليل والإستيعاب، إضافة إلى الحصول على الأفكار والمعلومات والأحداث والحقائق المجهولة وثقافات الشعوب وتاريخها… فهي بحرٌ يغوص في أعماقها عشاق الحرف والأبجدية، والطريق الأول لتفجير الطاقة الفكرية وصناعة المبدعين والمكتشفين والعلماء والمفكرين.
وقد صدق من قال: ” أمثال الأمة كتاب ضخم فيه تقرأ أخلاقها بسهولة”، فقراءة الكتاب معيار يميّز الإنسان عن غيره من أفراد المجتمع، إذ يُقاس مدى تطوره أو تخلّفه… إذ إنّ المجتمع المواكب للتطور لا يكتفي بالموارد الاقتصادية والطبيعية، بل يُنتج الثقافة والمعرفة والإبداع، ويطوّرها ويتفاعل معها. هذا الأمر يُمكن ملاحظته في الغرب، إذ إنه على الرغم من كل التطور والإنجازات، ما زالت القراءة أساس لكل الفئات العمرية، وما زالت وسائل التواصل كالميترو والباص والطائرة تشهد على شغف وعشق الكثيرين للقراءة…
ولكن، للأسف هذا الأمر نفتقره في مجتمعنا العربي، هذا ما تقوله الكاتبة ليليان القاضي، والتي تضيف: “القليل من يقرأ سواء في لبنان أو في المحيط العربي… وأعتقد أنّ هذا الأمر لا يُبشّر بأنّ الكتّاب لدينا في مجتمعنا سيلعبون الدور كما هو حال كتاب الكتب الأجنبية”.
وترى القاضي أنّ الكاتب شبيه بالمبشّر، مؤتمن على رسالة عليه أن يوصلها من أجل مجتمع أفضل، لافتة إلى أنّها لا تكتب من أجل الكتابة بل لإيصال فكرة من خلال كل سطر ومقطع ومقالة.
القاضي، التي في رصيدها خمسة كتب منها مطبوعة وأخرى غير مطبوعة، ومن بينها كتاب عن المرأة، هذا ما قالته في حديث معها لـ Feminine Spirit
– حدثينا عن مسيرتك في عالم الكتابة… متى بدأت تكتبين ومن شجعك؟
كنت في العاشرة أو الحادية عشر من عمري حين بدأت أعبّر عن نفسي بكتابات نثرية جميلة. فما كان من الراهبة المسؤولة عني في المدرسة والمعلمين فيما بعد إلا أن شجعوني على السير نحو طريق الكتابة. وقد تخرّجتُ من الجامعة حائزة على دراسات عليا في الأدب العربي، ومن ثمّ مارستُ التدريس حوالى عشرين عامًا. خلال دراستي قمتُ بتقديم برنامج “بصمات نسائية” في إحدى الإذاعات المحلية، وكتبتُ في جرائد عديدة ومجلات محلية وخارجية، كما ألّفتُ الكتب.
حاليًا، في رصيدي خمسة كتب منها المطبوعة وغير المطبوعة. كما هناك مسلسلان كل منهما يتألف من 30 حلقة بالإضافة إلى العديد من المقالات والمحاضرات والخطابات التي ألقيتها.
– لديك أكثر من كتاب… حدثينا عن هذه الكتب؟ وأي كتاب أحبّ إلى قلبك وكتبته بشغف؟
كتابي الأول قصة بعنوان “اللقاء الجريح” كتبته وأنا ما زلتُ في صف “البروفيه”؛ موضوعه يعالج مشكلة الطبقية. فقبل بداية الحرب اللبنانية عام 1975 كانت الطبقية تفتك بالمجتمع اللبناني وتقضي على غالبية قصص الحبّ.
كتابي الثاني قصة بعنوان “امرأة فوق القدر”، موضوعه يعالج قضية المرأة والحبّ والحرب والوطنية والظلم والدين. في هذا الكتاب تشعبت المواضيع وسُلط الضور على قضية المرأة التي استحوذت على عالمي.
كتابي الثالث قصة بعنوان “كل الموسيقى أنتِ”، موضوعه يُعالج قضية الهجرة من الوطن نتيجة الحرب اللبنانية عام 1975 وانقسام الصف بين من حمل السلاح ومن قرر الرحيل. في هذا الكتاب صرخة الحب التي تُغيّر… صرخة الابنة الموجعة من الظلم وكابوس المال الذي يسرق السعادة، بالإضافة إلى الكلام عن ويلات الحرب…
في حين أنّ كتابي الرابع والخامس لم يُطبعا بعد.
أما بالنسبة إلى الكتاب الأحب إلى قلبي، فكتبي كلّها قريبة أحبّها لأنها وليدة معاناة كبيرة. ولكن، لا بدّ من التوقف عند كتاب “امرأة فوق القدر” الذي طبعته عام 1995 وأعتزّ به اعتزازًا خاصًا، إذ إنه من الكتب اللبنانية الأولى، أو ربّما العربية، التي نادت بانخراط المرأة في السلك العسكري. وقد تعرّضتُ لإنتقادات كبيرة وعدم تقبّل هذه الفكرة، إذ جعلتُ من البطلة “لارا” تترك كل شيء وراءها، تحمل السلاح وتلتحق بالجيش، داعية بذلك البنات إلى القيام بالمثل علهنّ يؤدين هذا الدور العظيم. وما نراه اليوم في لبنان، من التحاق الفتيات بسلك الجندية دليل على ايجابية فكرتي، وتبني نداء البطلة؛ وبالتالي تبيان أنّ الكتاب يُعتبر من الكتب السابقة لعصرها ويُستحق أن يُقرأ في كل الأزمنة.
– إحدى الكتب التي أصدرتها تتناول المرأة… من هي المرأة بتعريفك؟ كيف ترين المرأة اليوم؟ وبرأيك، ماذا اختلف بين مرأة الأمس ومرأة اليوم؟
المرأة شفافة كالروح، عفيفة كالطهارة، متمرّدة كالعاصفة، حبيبة كالعبادة… هذا هو تعريفي للمرأة.
المرأة في الأمس كانت ضعيفة، عاجزة، مغلوبة على أمرها، مهزومة، لا تبدي رأيًا، وتحتاج إلى من يتكلّم باسمها. أما اليوم، أصبحت المرأة مختلفة، ويُمكن الإشارة إلى فئتين: الأولى، فئة من النساء اللواتي نلن جزءًا كبيرًا من التحرر، فطبقته بأسلوب لا يليق بحق المرأة، بل أجحفن بهذا الحق. ومن هنا صار يُطلق على هذه الفئة: المرأة المسترجلة، المرأة الجسد، مرأة الـ”بوتوكس”، ومهووسه وسائل التواصل الإجتماعي. والثانية، فئة أخرى من النساء اللواتي تُرفع لهنّ القبعة تحيّة لهنّ، إذ رفضن هؤلاء ما تبنّته المرأة التي تنتمي إلى الفئة الأولى، ورحن يعملن وينجحن ويعرفن الله ويصلن بكفاءاتهنّ إلى مراكز مرموقة ويبرعن في أدوار الأم والزوجة والابنة والأخت والحبيبة، وقدّمن معنى التحرر بأصوله.
– المرأة في عصرنا الحالي استطاعت أن تحقق ذاتها… ولكن، ألا تعتقدين أن الحرية المعطاة للمرأة رسمت في مكان ما صورة خاطئة لها وأجحفت في حقها أم تعتقدين أن شهامة الرجال اندثرت؟ إذ ما زلنا نرى حتى اليوم الذهنية الذكورية موجودة مهما حققت المرأة من إنجازات وأثبتت أنها متساوية للرجل بالفكر والعلم والإختراعات والنجاح، إلخ…
لا بدّ من الإعتراف بأنّ المرأة في عصرنا الحالي استطاعت أن تقطع أشواطًا في تحقيق ذاتها. لكن، كما سبق وذكرت، بعض نساء اليوم ونتيجة انجرارهنّ للتفاهات والماديات، قرأن مفهوم الحرية قراءة سيئة وجعلن للمرأة صورة خاطئة عمّا هي عليه، فعرّضن بذلك دورها العظيم في المجتمع إلى الخطر. ولعلّ هذا الأمر أفاد الرجل ودفعه إلى الذهنية الذكورية، فأخذ يحكم على المرأة في أكثر المواقف، حكمًا لا ينطبق مع المرأة الحقيقية.
زد على ذلك، إفادة الرجل من المواقع والصلاحيات المعطاة له، إذ إنّ زمام الأمور تقريبًا ما زالت كلها بيده، فهل يقبل لها بهذه المواقع ليفتح الطريق أمام المرأة ويعترف بإنجازاتها؟ هنا يكمن السؤال…
– برأيك، كيف تعيش المرأة حياة متوازنة بلا خضوع لسيطرة أي شخص أو النقيض بلا تحرر كامل من أي التزام ومسؤولية؟
إنّ المرأة المؤمنة والتي تملك طاقة حبّ أو محبّة في قلبها، قادرة على العيش حرّة بلا خضوع، بلا سيطرة من أي شخص. فالإيمان والحب يجعلاننا نلتقي الله ومتى التقينا الله تحررنا. من كانت ابنة لمريم العذراء فهي محررة.
– ما رأيك اليوم في الكتاب والأدباء؟ ألا تعتقدين أن هناك فوضى في الساحة الأدبية خصوصًا وأنه أصبح متاحًا لكل من يريد أن يسمي نفسه كاتبًا قادرًا على طباعة الكتب بغض النظر عن مضمونها؟
إنّ السؤال بحد ذاته جواب… أصبح من السهل الكتابة في عصرنا الحالي. فكتّاب اليوم هم كتاب “الانترنت”. و”الانترنت” آلة والآلة لا تصنع كاتبًا.
– هل برأيك عصر الكتاب قد انتهى في ظل وجود عالم الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي؟ ما زلنا نرى في الغرب على الرغم من كل التطور والإنجازات القراءة أساس لكل الفئات العمرية، ففي وسائل التواصل كالميترو والباص والطائرة ما زالنا نرى من يقرأ…. ما المشكلة في مجتمعنا العربي يا ترى؟ هل برأيك مواقع التواصل أصبحت مكملة وليس لاغية للكتاب في ذهنية مجتمعنا، أم ألغته من ذهنيتنا وثقافتنا؟
للأسف، القليل من يقرأ سواء في لبنان أو في المحيط العربي… وأعتقد أنّ هذا الأمر لا يُبشّر بأنّ الكتاب لدينا في مجتمعنا سيلعبون الدور كما هو حال كتاب الكتب الأجنبية.
– ما الصعوبات التي واجهتها خلال مشوارك في عالم الكتابة؟
الصعوبة الأولى كانت تكمن في طباعة الكتاب. فالطباعة كانت مكلفة جدًا. أم الصعوبة الثانية فهي تسويق الكتاب والإعلان عنه، لذلك كان يضطر الكاتب اللجوء إلى دار النشر ليقوم بهذه المهمة والتعامل مع هذا الأخير كان صعبًا.
– ماذا تهدفين من كتاباتك؟
إنّ الكاتب شبيه بالمبشّر، مؤتمن على رسالة عليه أن يوصلها من أجل مجتمع أفضل. لذلك، أنا لا أكتب من أجل الكتابة بل لإيصال فكرة في كل سطر ومقطع ومقالة… على أن تكون فكرتي بناءة وجامعة، تؤدي إلى الخير.
– من هو مثالك الأعلى في عالم الأدب والكتابة؟
مثالي الأعلي كان وما زال جبران خليل جبران. فمنذ أن كنت في صف “السرتيفيكا”، كانت الراهبة المسؤولة في المدرسة تشجعني وتدفعني على قراءة “الأرواح المتمردة” و “دمعة وابتسامة”.
– ما النصيحة التي تقدمينها للكتّاب من الجيل الجديد؟
على كاتب هذا الجيل الجديد ألا يكون أسير “الانترنت” وحده، وإنما أن يقرأ ويبحث عن مواضيع من الزمن الماضي خصوصًا وأنه في الأدب العربي تراث كبير. كذلك، يجب أن يضع أسلوبًا يخصّه وحده ويميّزه عن سواه.
– ما مشاريعك المستقبلية؟
لديّ مسلسل جاهز للتنفيذ بعنوان “وزيرة ولكن” وهو مؤلّف من 30 حلقة مميزة جدًا جدًا. أنا فخورة به لأنه يختلف عما يُعرض على الشاشات. ولكن، لا أستطيع أن أعد قرائي بمشاهدته قريبًا لأنني ما زلتُ غير متأكدة إن كنت سأحصل على فرصة لعرضه عبر شاشة التلفاز في ظل هيمنة أشخاص معينين لا يتغيرون ولا يسمحون بالتغيير… ولهؤلاء أقول: إلى متى؟