ما زال حصان طروادة الذي ظهر في فيلم Troy الملحميّ العظيم، في تركيا حتى الآن، في ولاية تشاناكالي (جناق قلعة)، إذ قد أهداه الفيلم للمنطقة التي حدثت فيها تلك الأحداث منذ قرابة 8 آلاف عام.
مدينة طروادة… 157 عامًا من الأبحاث
ظلّ مكان مدينة طروادة غير معروف إلى أن بدأ رجل الأعمال وعالم الآثار البروسي هاينيش شليمان بالتوجه إلى شمال غربي تركيا، في منطقة جناق قلعة التي تحتضن مضيق الدردنيل، وشرع في الحفر والتنقيب هناك. ومن هذه الرحلة إكتشف عددًا من الكنوز الأثرية، التي يُعرض منها حاليًا الكثير في المتحف البريطاني.
كانت أولى النتائج التي خرج بها هاينيش شليمان هو أن كثيرًا مما اكتشفه من الآثار يعود إلى أواخر العصر البرونزي، وهي الفترة نفسها التي قال عنها الشاعر اليوناني هوميروس إنها شهدت حدوث قصة ومعركة مدينة طروادة، وإنّما تبيّن لاحقًا أنّ تلك الآثار المكتشفة تعود لعصرٍ سابق على العصر البرونزي.
إلا أنّ أغلبية المؤرخين وعلماء الآثار قالوا إنّ منطقة جناق قلعة الحالية هي التي تضم بالفعل مدينة طروادة القديمة. فالشواهد التي وُجدت في المنطقة أكدت حدوث حريق ضخم في السابق، وكذلك عثر على عددٍ محدودٍ من نصال السهام، وهي تعود كذلك إلى تلك الفترة التي وقعت فيها حرب طروادة.
تمتلك تلك المنطقة تاريخًا يعود إلى 5500 عام، وفق ما ذكره رئيس بعثة التنقيب في منطقة طروادة رستم أرسلان، لوكالة الأناضول، الذي أضاف أنّ المنطقة نفسها قد تكون شهدت حضارة ممتدة لـ8 آلاف سنة. هكذا، وعلى إمتداد 157 عامًا، استمرت الأبحاث والبعثات الأثرية والتاريخية إلى هذه المنطقة الأثرية.
هيلين وباريس… قصة حب قضت على مملكة طروادة
ما زالت قصة طروادة حتى اليوم سرًا، فالبعض ششكِّك في حدوثها، والبعض أكد حدوثها، ومنطقة جناق قلعة في تركيا خير دليل على هذه السردية التي أكدت حدوثها.
لكننا حين نعود إلى التدوين التاريخي لتلك الحادثة، فإنّ أول ما يظهر أمامنا هو ملحمة الإلياذة لهوميروس. لكن هوميروس قال إن الحادثة وقعت قبل 800 عام من ملحمته التي كتبها. كما أن الملحمة نفسها تختلط فيها الأساطير بالحقائق، وتتعامل فيها الآلهة مع البشر، كما أن أحد أبرز الشخصيات في الملحمة، آخيل، هو نصف إله ونصف بشري.
القصة المشهورة للحادثة، هي أن الأمير المدلل باريس، ابن ملك طروادة، كان في مهمّةٍ دبلوماسية مع أخيه المقاتل الشهير هيكتور إلى مدينة إسبرطة، وأثناء وجودهما هناك أحبَّ زوجة الملك مينلاوس شقيق الملك المهيب أجاممنون. وعند عودته إلى طروادة كان قد هرَّبها من دون علم أخيه إلى السفينة.
هكذا، قرّر أجاممنون الثأر لشرف أخيه وشرفه الملكيّ، بإخضاع طروادة. استمرّ حصار طروادة طيلة 10 سنوات، وفي أحد الأيام استيقظ أهل طروادة فلم يجدوا على شواطئهم سفن الأعداء، وجدوا فقط حصانًا ضخمًا، فظنوا أنّ الأعداء تركوا هذا الحصان تذكارًا للطرواديين، فقرروا إدخاله إلى طروادة.
وما أن حلَّ الليل في طروادة، حتى خرج من الحصان فرسان أجاممنون، وسيطروا على المدينة في الليل وأحرقوها. وهنا انتهت القصة.
ولكن، القصة وراءها صراع بين الآلهة أيضًا! فقد قرر زيوس كبير آلهة الإغريق، أن يخفض عدد البشر في الأرض فقرر إثارة فتنة، فألقى زيوس تفاحة جميلة مكتوبًا عليها “للأجمل”، لتثير النزاع بين ثلاث إلهات، هنّ: هيرا زوجة زيوس، وأثينا إلهة الحرب، وأفروديت إلهة الجمال. وهكذا قرروا الإحتكام إلى الشخص الأول الذي يمر أمامهم، فكان باريس.
قدمت كل إلهة من الثلاث شيئًا لباريس ليحكم لها بأنها الأجمل. فقدمت له هيرا أن يكون ملكاً عظيمًا ووعدته أثينا بألا يخسر حربًا، ووعدته أفروديت بأن يتزوج بأجمل نساء الأرض. فإختار أفروديت، وهكذا وقعت المعركة، لأنه إستعدى الآلهتين الأخريين.
وهكذا نجد أنّ الحقائق يصعب تمييزها في رواية هوميروس. كما أن شخصية وقصة كل من هيلين وباريس كانت ملهمةً لعديد من الشعراء والمؤرخين والأدباء، ليس فقط شعراء الإغريق، بل حتى لشعراء معاصرين.
كما أنّ أساطير الآلهة في الروايات الإغريقية الأخرى أيضًا مختلفة، فتذكر بعض الروايات أنّ أُم هيلين كانت جميلة للغاية، فأحبَّها كبير الآلهة زيوس فإغتصبها ومنها وُلدت هيلين. بينما اعتبرها الشاعر الإغريقي يوريبيديس بريئةً بلا ذنب، وقال إنها كانت مقيمةً بمصر أثناء وقوع الحادثة، ومن ثم فهي بريئة.
وهكذا فإنّ النظرة إلى هيلين وشخصيتها تختلف، وفقاً لإختلافات خلفيات الشعراء والمؤرخين القدامى، فمثلاً الشاعرة الإغريقية سافو اعتبرت أنّ هيلين مرأة تَرغب ولا تُرغب، فهي التي تركت مينلاوس حين أحبت باريس.
وهكذا كانت شخصية هيلين تتطوّر وتتغير عبر التاريخ. ولكن، كل هذه التغيرات لا تنفي حدث حريق مدينة طروادة، وربما حدثت القصة ولكن بتفاصيل مختلفة قليلاً أو كثيرًا عن الروايات التاريخية، بإفتراض طبعًا أنّ كل الأحداث المتعلقة بالآلهة في قصة هيلين وباريس مجرد أساطير وليست حقائق بأي شكل من الأشكال.