1.4K
من منّا لا يتذكر باغز باني (Bugs Bunny) وميكي ماوس (Mickey Mouse) والبطة (Donald Duck) و بوباي (Popeye) و رودرنر (Road Runner) والنمر الوردي (Pink Panther) وتوم وجيري (Tom & Jerry) وتويتي (Tweety) وسنوبي (Snoopy) وسكوبي دو (Scooby-Doo) ويوغي الدب و بو بو (Yogi Bear و Boo Boo) وغيرها من أشهر الشخصيات الكرتونية التي كانت تُبثّ عبر أفلام الرسوم المتحركة القديمة التي كانت تُعرض عبر شاشات التلفاز؟ كان لها تأثير كبير في صناعة ذلك الجيل الذهبي ودوره في تنشئته وتربيته، حين كان يلهف لمشاهدتها على الإذاعات اللبنانية فور إنتهاء دوام المدرسة وفي أيام الإجازات والعطل.
أما اليوم، يبدو أنّ الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية في لبنان تتجه نحو المزيد من التعقيد الذي بدأ مع أزمة إنتشار فيروس “كورونا”، وأُضيفت إليها أزمة مالية خانقة. وإن كانت شركات عالمية عملاقة كـWalt Disney قد أغلقت استوديوهات الرسوم المتحركة Blue Sky ، السابق لشركة 20 Century Fox، والذي بلغ تكلفته 5.9 مليار دولار، وأنتج خلال فترة عمله 13 فيلمًا روائيًا بما في ذلك إمتياز Ice Age ، وفقًا للتقرير الذي تمّ نشره عبر موقع “deadline”؛ فماذا ننتظر من بلدٍ كـ”لبنان” حيثُ يعيش عدد لا يُستهان به من المتعلمين والمثقفين وتُهاجر منه أدمغة بشرية تنجح في بلاد الإغتراب كي لا تبقى عاجزة عن تحقيق طموحاتها وأحلامها في بلدها الأم الذي لا يؤمّن لها أي أرضية مستقرة ضامنة لمستقبلها؟
“ففي ظلّ النقص في شركات الإنتاج، يلجأ المتخرجون في هذا الإختصاص إلى بلاد الإغتراب مثل أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأميركية من أجل تأمين فرص عمل في عالم الـ cinéma d’animation، في حين الباقون مثلي في وطنهم الأمّ يعملون بما هو متوفّر في السوق اللبناني من الـ2d animation والـMotion design أي الرسومات الحاسوبية المتحركة والذي لا ينصبّ على أفلام السينما وإنّما على الإعلانات والدعايات المصوّرة”، هذا ما أكدته الشابة الموهوبة والمثابرة تانيا إسكندر التي تحلم يومًا ما أن تعمل في استوديو يُنتج مسلسلا للرسوم المتحركة للأطفال في لبنان…
في دردشة عفوية لموقع Kermalouki، شددت إسكندر على ضرورة أن يؤمن الإنسان بغذٍ أفضل، وألا يستسلم إلى الإمكانيات المحدودة والظروف التي قد يمرّ فيها، بل أن ينهض ويُثابر بكل إصرار من أجل الوصول إلى ما يتمنى أن يحققه… هذا ما قالته إسكندر…
أولا، كيف إخترتِ مجال الـ Animation ولماذا فضلته على غيره من المجالات المتاحة بشكل أكبر في سوق العمل اللبناني؟
في المدرسة، كنتُ أحبُ المواد العلمية وكان في نفسي رغبة في خوض مجال مختصّ بالعلوم كالصيدلة مثلا. ولكن، عندما أشرفتُ على الإنتهاء من مقاعد الدراسة في المرحلة الثانوية وقبل إقبالي إلى التسجيل في الجامعة لإكمالي تحصيلي العلمي الجامعي، شعرتُ بأنني أميل إلى المجال الفني الذي كان يستهويني منذ صغري من خلال الرسم والأعمال الفنية اليدوية. وقد تزامنت رغبتي في إختيار المجال الفني بلقائي بصديق يعمل 3D Animation في إحدى المحطات التلفزيونية. إنبهرتُ من كثرة ما أعجبني عمله الخلاق كما شجعني على إختيار هذا المجال النادر في لبنان. وقررتُ أن أبحث عن جامعة متخصصة في هذا المجال إلى أن وجدتُ الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة ALBA – جامعة البلمند.
ثانيًا، هل إختياركِ لمجال الـAnimation أثار حفيظة ورفض والديكِ نظرًا لكون فرص العمل فيه ضيّقة أم شجعاكِ؟
عندما كشفتُ لوالدي عن رغبتي في التخصص بالـAnimation أي الرسوم المتحركة، تحرى والدي عن تفاصيل هذا المجال وأهميته في سوق العمل، وتبيّن له أنّ هناك طلب على هذا النوع من الأعمال ويُمكن إيجاد فرص عمل لتتيح لي بإعالة نفسي في المستقبل. فإطمأن والداي وشجعاني ووافقا على إختيار المجال الذي أحبّه شرط ألا أخسر ولا حتى عامًا واحدًا خلال مرحلة الدراسة وأن أكون مقتنعة بالعمل الذي سيُلازمني في مراحل حياتي كلّها.
ثالثًا، كيف بدأ المشوار؟
في العامين الأوّل والثاني، بدأ المشوار الجامعي بدراسة شاملة وعامة، من خلال دراسة طريقة العمل على الإعلانات والدعايات أي التخصص في الـ publicité générale وتعلّمنا منها إبتكار الأفكار، ومعرفة إختيار أنواع المواد التي يجبُ إستخدامها للرسم وكيفية إستخدامها، والإطلاع على تقنيّة إختيار الألوان. كذلك، إستفدنا من دراسة كل المواد الأساسية الخاصة بهذا التخصص كـ”تاريخ الفن” وتاريخ السينما، قبل أن نتجه في العام الثالث، إلى مرحلة التخصص؛ حينها إخترتُ الـAnimation ومن ضمنها الأفلام والمسلسلات المصوّرة والمتحرّكة. بعد حصولي على الإجازة، أكملتُ دراستي ونلتُ شهادة بدرجة الماجستير في مجال الـAnimation.
رابعًا، بعد الإنتهاء من تحصيلك العملي في الـ Animation، كيف كانت تجربتك في سوق العمل اللبناني ؟
في لبنان، ينقصنا شركات إنتاج كبيرة مثل Walt Disney وDreamWorks وغيرها من الشركات الضخمة العالمية. لدينا استوديوهات وشركات أصغر ولكن من جهة ينقصنا مستثمرين ومن جهة أخرى مجتمعنا غير مكترث بمشاهدة أفلام سينمائية لرسوم متحركة. لذلك، أشجع الناس للإكتراث وخصوصًا المستثمرين لأنّ وضع التخطيط المتقن يؤدي إلى النجاح ويُحرّك العجلة في مجال واعد فيه الكثير من الحياة والإبتكار والفن. فالأفلام تحتاج إلى إمكانيات مادية ومجهود بشري لفترة زمنية أطول من الأفلام العادية، ومعها ستترتّب مصاريف أكبر، ولكن التخطيط بدقة والسعي إلى إنجاح المشروع من شأنه تفادي أي خسارة مادية وزمنية.
لذلك، وفي ظلّ النقص في شركات الإنتاج، يلجأ المتخرجون في هذا الإختصاص إلى بلاد الإغتراب مثل أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأميركية من أجل تأمين فرص عمل في عالم الـ cinéma d’animation، في حين الباقون مثلي في وطنهم الأمّ يعملون بما هو متوفّر في السوق اللبناني من الـ2d animation والـMotion design أي الرسومات الحاسوبية المتحركة والذي لا ينصبّ على أفلام السينما وإنّما على الإعلانات والدعايات المصوّرة. هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هناك من يلجأ إلى دورات شهرية سريعة لدراسة كيفية العمل على هذا النوع من الدعايات المصوّرة، ولكن، ما يجب معرفته هو أنّ هذه الدورات لا يُمكن أن تأخذ مكان ما تعلّمناه في الجامعة!
خامسًا، كيف إكتسبتِ الخبرة في إختصاصكِ؟
عملتُ بالـ 2d Animation لمدة خمس سنوات، ومن بين الأعمال التي قُمتُ بها هي الـExplainer Videos أي العمل على “فيديو” قصير لصور متحركة من أجل تعريف وتفسير فكرة أو مُنتج معيّن يحتاج إلى تسويق. مع الوقت أصبح هذا المجال مألوفًا في سوق العمل اللبناني، ولكن للأسف ظلّ العمل في مجال الـ cinéma d’animation غير موجود.
سادسًا، برأيك، من يتحمّل المسؤولية لغياب الـ cinéma d’animation في السوق اللبناني؟
حلمي أن أعمل يومًا ما في استوديو يُنتج مسلسلا للرسوم المتحركة للأطفال في لبنان Les dessins animés pour enfants au Liban كون الرسوم المتحركة المعروضة على شاشاتنا اللبنانية كلّها كانت مستوردة من أميركا وفرنسا، واليوم أصبحت معروضة عبر بثّ للفضائيات التي تنشر ثقافاتٍ مختلفة عن ثقافتنا وتراثنا وأسلوب حياتنا؛ فالإذاعات اللبنانية إستبدلت بثّ الرسوم المتحركة للأطفال ببرامج أخرى تدرّ عليها منافع مادية، متحججة بأنّ الفضائيات تقوم بالواجب بعرضها للرسوم المتحركة الأجنبية، ولكن هذا الأمر يدفع إلى تأثّر أطفالنا بثقافات مختلفة عنا. إذّا، إنّ الإذاعات اللبنانية لا تُشجع المستثمرين المحتملين على الدخول في مشاريع من هذا القبيل وبالتالي يتحملون مسؤولية.
سابعًا، هل الـ cinéma d’animation تتناول فقط الرسوم المتحركة للأطفال؟
إنّ الـ cinéma d’animation لا تشمل فقط الرسوم المتحركة للأطفال وإنما تُطاول أيضًا البالغين. هذا ما نراه عبر Netflix من مسلسلات تُعرض في هذا الشأن.
ثامنًا، هل الـ cinéma d’animation مشروع مربح؟
هذا المشروع مربح ولكنه أكثر تكلفة من الأفلام العادية. في هوليوود مثلا أصبح لديهم خبرة كبيرة والمشروع لديهم مربح بكثرة.
أما نحن فيُمكننا أن نتطوّر تدريجيًا إن وُجدت الإمكانيات أولا من استوديو وفريق عمل كبير ومستثمر مُؤمِن بنجاح العمل وقادر على دفع رواتب مسبقة للموظفين وكل النفاقات الأخرى اللازمة، وثانيًا إذا لاقى هذا المجال تشجيعًا من الجمهور من خلال إقباله على المشاهدة.
تاسعًا، ما الفرق بين الـ Animation والرسم؟ هل الموهبة تجمع بينهما؟
كل ما يتعلّق بالفنّ يحتاج إلى الموهبة. ولكن، يختلف الـAnimation عن الرسم، بكون الأوّل متحرّك في حين أنّ الثاني ساكن. الـTraditional Animation كان يُعتمد في شركات الإنتاج الضخمة كـDisney حيثُ كانت تُعتمد الصور المرسومة حركة بحركة من أجل تمريرها الواحدة تلو الأخرى إلى حين أن تُصبح فيلمًا مصوّرًا. وكانت الشركات تعتمد تقنيات الرسم باليد أي الـTraditional Animation في حين أنّ اليوم، أصبح هناك برامج متطوّرة على الكمبيوتر تُسهّل العمل وقلّما أصبحت الشركات تعتمد أسلوب الرسم باليد. ولكن، تُجدر الإشارة إلى أنّ هناك بعض الشركات ما زال يعتمد طريقة الرسم باليد من أجل وضع لمسة خاصة فيه.
عاشرًا، هل الـAnimator أي أخصائي الرسوم المتحركة يجب أن يكون رسامًا ؟
يجب أن يكون أخصائي الرسوم المتحركة، في المبدأ، Illustrator أي رسامًا. في الشركات الضخمة مثل Disney يحتاج العمل إلى فريق عمل كامل مُقسّم إلى مجموعات متخصصة التي بدورها لكلّ واحدٍ ضمنها دوره الخاص؛ إذ نرى مجموعة أولى تعمل على الـBackground design أي خلفية الصورة، ومجموعة ثانية من أخصائيي الرسوم المتحركة تعمل على الـRough animation ومجموعة ثالثة تعمل على الـClean up animation، ومجموعة رابعة تعمل على الـ Visual Effects أي المؤثرات البصرية. للأسف، هذه الشركات الضخمة المنظمة بهذا الأسلوب والتي تضخ أموالا طائلة لا نراه في لبنان.
للإطلاع أكثر على أعمال إسكندر يُمكن النقر على الروابط الآتية:
https://www.behance.net/Tania-Iskandar
https://www.instagram.com/tania.iskandarart/