“والله سئمت”… هكذا تبدأ مهى كلامها مع صديقتها سعاد في دردشة صباحية على جلسة قهوة… “طيلة حياتي كنتُ أنشر أفكاري وغيري يستفيد منها… طيلة حياتي كنتُ أكتب في العتمة وأقترح أفكارًا ليسرقها غيري خِلسة عني وينسبها إليه “تحت الضوء”… ما عدتُ أعلم إن كان مجتمعنا الذي له سوابق في سرقة الألحان الأجنبية والتركية والنصوص السينمائية والدرامية المقتبسة من الخارج، هو سارق محترف أم أنه مجتمع غيور وفاشل يسرق طاقة الآخرين الغير معروفين ويُسخّر نجمهم ليعلو نجمه علّه يبني أمجادًا وشهرة مصطنعة ملغومة بالأفكار التي لا تمّت إليه بصلة ومدعومة من مجموعات تُساند بعضها البعض للوصول إلى القمة وتُحارب من هو خارجها وتُلطّخ إسمه بالوحل والإفتراء لسدّ الطريق أمامه من تحقيق أحلامه”…
“ما عدتُ أفهم ما مدلول “أنا كمان” الذي نسمعه بكثرة في مجتمعنا؟”، تقول مهى الكاتبة والروائية والعاشقة للكتب والعلم، وتستطرد:” في جلسة الصالونات نسمع زوجة سعيدة في حياتها الزوجية تُخبر بشغف صديقتها عن حنان وكرم وشهامة زوجها، وبدلا من أن تبادلها تلك الصديقة بأنها سعيدة من أجلها وتتمنى لها كل الخير تردّ عليها بعبارة “أنا كمان” زوجي حنون وطيّب و”غير شكل”! كذلك، نسمع أمًا فخورة بإبنها المتفوّق في المدرسة وبذكائه تردّ عليها زميلتها بعبارة “أنا كمان” إبني بطل، ما شاء الله عليه لذكائه اللاذع، بدلا من أن تجيب الله يخليلك إبنك ويحمي!
أصبحت عبارة “أنا كمان” مستهلكة لدرجة أنها إقتحمت المواضيع المتعلّقة بالألم والمرض والمعاناة! إذ هناك من يتألّم قليلا وقد يبكي بضعة شهور و”يفلقنا” و”يزيحنا” بالمتاجرة بمعاناته في الوقت الذي يكون هناك آخرون يُعانون حتى أكثر من عشر سنوات متتالية بصمتٍ وبإيمان قوي وبضهر مكسور وبلا سند ولا نرى منهم سوى الإبتسامة الحلوة التي أخفت لفترة طويلة مخاض من الألم والدموع الغزيرة… ولا نرى منهم سوى الإرادة الصلبة والعصامية والمكافحة بالرغم من كل الظروف السيئة… للأسف، هذا ما نراه اليوم عبر وسائل التواصل الإجتماعي والوسائل الإعلامية من تجارة مفلسة للـ”تغني بالآلام”… نعم، أصبح الألم والمعاناة مادة يُمكن إستخدامها لإستقطاب الجماهير أو بالأحرى المنيّمين مغناطسيًا! يا للهول! هل أصبح مجتمعنا منافقًا إلى هذه الدرجة، يستخدم الأمراض والآلام والدمار لخلق هالة من الشهرة المبتذلة؟ ألا يكفينا الوجوه المنتفخة، المصطنعة والبلاستيكية المزيفة؟
هل أصبحت وسائل التواصل الإجتماعية والإعلام هابطًا لدرجة أن يُسلّط الضوء على التفاهة التي نراها بصورة مستمرّة أم أنّ السبب هو مجتمعنا الذي أصبح منشغلا بما هو أتفه من التفاهة، يُثمّن “الجزمة” أكثر من “القلم” والعلم والفكر والرقي والأخلاق الحميدة؟ لا أدري ما نفع كلام نسمعه عن إحداهنّ مثلا ممن هنّ “تحت الضوء” عن معاناتها وشعورها بالوحدة لأنّ أهلها يعيشون في الغربة وهي تعيش لوحدها في منزلها “الكبير” حيثُ تشعر بالفراغ! ما نفع عبارة “منزلي كبير” في الوقت الذي يعيش الآلاف من الفقراء في مخيمات… ألم يكن من الأجدر التعبير عن الشعور بالوحدة من دون الإشارة إلى “بيتك الكبير” مثلا يا مدام؟! وفي السياق نفسه، تُشير أخرى إلى أنّ منزلها كبير في معرض شرح معاناتها وآلامها عند الإنتقال إليه وعجزها عن إستخدام الأدوات المنزلية فيه، في الوقت الذي لا يملك الكثيرون ممن فقدوا بيوتهم في إنفجار بيروت سقفًا يأويهم!
لا بل وأكثر من ذلك… حتى الجحيم يريدون سرقته! ففي رحلة الناس “المعترة” إلى الجحيم، تراهم يريدون أيضًا العودة منه! هل هي الغيرة أم أنه الحسد يا سادة؟ هل يغارون من جحيم من يشقى “بلا تطبيل وتزمير” ويريدون حتى سرقة وهج الألم منه لبناء إمبراطورياتهم المزيفة البلاستيكية ويتحفوننا بنفاقهم؟
عفوًا، ولكن، لا! ليس “أنتم كمان” ممن تذوّق الكأس المرّ ولا “أنتم كمان” من حافظتم على شرفكم من أجل الوصول، ولا “أنتم كمان” تنازلتم عن كل الفرص التي نراها نحن “رخيصة” من أجل الشهرة والمال، ولا “أنتم كمان” ضحيتم بكل حياتكم من أجل إسعاد عائلتكم والآخرين! أنتم سارقون وممثلون ومنافقون ولا ترتقون إلى مستوى فكرنا وقبله أخلاقنا، لأننا لم نبع أنفسنا وشرفنا كما فعلتم أنتم… نحن لدينا ربّ واحد نعبده ولا يمكننا أن نعبد ربّين: الله والمال!