أنثى اعتبرت جزءًا من عالم يُهيمن عليه الذكور، مستخدمة مزيجًا من الإغراء والعنف… تمردت على قيود نمط الحياة الذي فرضته النساء في أوائل القرن الثامن عشر… فأصبحت اسمًا مخيفًا عبر البحار ، قرصانة عنيفة ومتعطشة للدماء…. سواء أحببتها أم كرهتها، إلا أنها تركت بصمة سوداء في صفحات التاريخ… إنها آن بوني التي ذاع صيتها في العصر الذهبي للقرصنة

… حلقتنا اليوم عن مرأةٍ مغامرة من الدرجة الأولى، قصتها مشوقة بعيدة ً كل البعد عن المألوف … هيّا لنبدأ…

آن بوني ايرلندية، ولدت في 8 آذار 1702، باسم «آن كورماك»، في مقاطعة كورك كينسالى – أيرلندا، وهي الابنة غير الشرعية للمحامي ويليام كورماك، وخادمته ماري برينان. كان ويليام متزوجًا وعندما كانت زوجته بعيدة في منزل حماتها تتعافى من مرض ، أقام ويليام علاقة غرامية مع خادمته . عندما أنجبت آن للمرة الأولى ، حاول William تقديم الطفلة على انها ابنته الشرعية، وهو أمر لم يلقَ استحسانًا من بقية أفراد عائلته. انتقل إلى London مع ابنته وألبسها ملابس صبي ودعاها آندي كما ربّاها لتكون كاتبة محامٍ. كانت زوجة كورماك من خلفية ثرية وعندما اكتشفت العلاقة الغرامية له وابنته غير الشرعية، أوقفت بدل زوجها ولم يتبق لها خيار سوى البدء من جديد. اتخذ وليام قرار الانتقال إلى مقاطعة كارولينا وهي منطقة تُغطي مساحات كبيرة في جنوب شرق الولايات المتحدة الأميركية، أخذ معه آن ووالدتها ماري منشئًا عائلته الجديدة…

كان هذا الجزء المبكر من حياة آن الغير عادي ، وستظهر فيما بعد فكرة تقديم نفسها كصبي في السنوات اللاحقة خلال مسيرتها مع القراصنة. حاول وليام العمل كمحامٍ لكنه كافح للعثور على العمل في مجاله، ومع ذلك استفاد من معرفته في القانون ومهاراته في البيع ، الأمر الذي سمح له بكسب ما يكفي من المال لشراء منزل متعدد الطوابق كمنزلٍ لعائلته الجديدة، واشترى مزرعة وجمع ثروة. لا يُعرف سوى القليل عن سنوات طفولة آن في أميركا ولكن عندما كانت في الثانية عشرة من عمرها تقريبًا توفيت والدتها … ومن بعد ذلك، ظهر المزاج الناري الذي اشتهرت به ، إذ عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها طعنت خادمة وكان ذلك إشارة ربما لما ستُصبح عليه في ما بعد. عندما بلغت 20 عامًا في عام 1718 ، إلتقت آن ببحار مفلس يُدعى جيمس بوني وتزوجته. كان والدها رافضًا جدًا للزواج وخصوصًا عندما اتضح أن جيمس كان يسعى للاستيلاء على مزرعة والدها فكان رد والدها أن تبرأ منها وطردها إلى الشارع. فقرر الزوجان الشابان الانتقال إلى ناسو في جزيرة New Providence في جزر الـBahamas على وجه التحديد كانت هناك مستعمرة للقراصنة في ناسو في العصر الحديث تُعرف باسم جمهورية القراصنة. كانت جمهورية القراصنة عبارة عن كونفدرالية مريحة يديرها القراصنة اللذين يحكمهم قانون غير رسمي ، فاحترام المنضمين الجدد إلى القرصنة للقدامى أمر واجبٌ، ويُقرر من يقود السفينة بالتصويت. أخذ جيمس آن إلى الباهاماس ، وراح يبحث عن عمل في الجزيرة، محتكًا بالعديد من القراصنة في الحانات ، ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يُصبح جيمس مخبرا للحاكم في الجزيرة، في محاولةٍ لكسب المال لنفسه ولزوجته… وهو الأمر الذي لم يعجبها … لم يمر وقت طويل حتى كرهت آن زوجها ضعيف الشخصية …

التقت بالكابتن كاليكو جاك المعروف بجاك راكهام القرصان ذائع الصيت في ذلك الوقت، ووقعت في غرامه. كان الإعجاب بين آن والكابتن كاليكو جاك متبادل، حيث كان جاك وسيم الطلعة وكانت آن موهوبة وذات حس ناري كالرجال (ويقال أنها قتلت خادمته بسكين لأنها أغضبتها ولكن لم يؤكد صحة هذه الإشاعة). وصل كاليكو جاك إلى الباهامس في عام 1719 عندما عُرض عفو ملكي على جميع القراصنة الذين استسلموا للسلطات. كان جيمس غاضبًا عندما اكتشف ذلك خصوصًا وأنّ جاك كان قد عرض على جيمس مبلغًا من المال مقابل منح آن الطلاق. رفض جيمس هذا العرض، لذلك أقنع جاك آن بالهروب معه. وافقت آن، فهربت معه وارتدت ملابس الرجال وأصبحت عضوًا في طاقمه ، وكان الأمر برمته انتهاكًا لعفو الملك. وفي إحدى الليالي، تسللت آن مع جاك إلى الميناء وسرقا سفينة بعد أن رفع زوجها القضية إلى الحاكم يطالب فيها بجلد آن وإبقائها مع زوجها الحقيقي. وفي الشهور التالية حققوا نجاحًا كقراصنة، بالاستيلاء على سفن عديدة وجمع الغنائم. ولم تكن آن متنكرة بزي رجل كما هو شائع، لكنها قاتلت بشراسة فنالت احترام زملائها. في وقتٍ ما ، قبل العام 1720، حملت آن ، فأبحرت إلى كوبا مع جاك حيثُ أنجبت طفلهما . ولكن، للأسف لم يتم تسجيل أي شيء عن هذا الطفل ، لذلك من غير المعروف حتى ما إذا كان قد نجا حتى سن الرشد … بعد الولادة بفترة وجيزة، انضمت آن مرة أخرى إلى جاك كعضو في طاقمه ، مرتدية ملابس الرجال، وتتبع حياة القرصنة ومهاجمة السفن في منطقة الكاريبي.

خلال هذه الفترة، انضمت مرأة أخرى إلى طاقم جاك وهي Mary Read… لم يعلم أحد في البداية بأنها مرأة لأنها كانت مرتدية ملابس الرجال أيضًا مثل آن… كانت فردًا من طاقم على متن سفينة استولى عليها جاك وانضمت إلى طاقمه بعد أسره. أصبحت المرأتان على الفور صديقتين مقربتين، ووفقًا لشهود عيان آنذاك، كانتا. من أشرس أعضاء الطاقم. في الواقع، ليس من المستغرب أن تُصبحا صديقتين بالنظر إلى ما كان بينهما من قواسم مشتركة. كان راكهام يشعر بغيرة شديدة لقرب ماري من آن لدرجة أنه هدد بقطع حلقها، ولكن عندما أدرك أنها مرأة أيضًا، وافق على هذا التقرب. بينما هناك من أفاد بأنّ ماري انضمت إلى طاقم راكهام متنكرةً في زي رجل، أصدر وودز روجرز، حاكم جزر البهاماس، إعلانًا مكتوبًا يدعو إلى اعتقال راكهام مع “مرأتين، هما آن فولفورد المعروفة باسم بوني، وماري ريد”.

وهذا يعني أن آن ربما وصلت إلى جزر البهاماس تحت اسم مستعار، وأن ماري كانت معروفة بأنها مرأة عندما صعدت على متن السفينة مع طاقم راكهام. على الرغم من الالتباس المحيط بأصول النساء، إلا أن مهنهن اللاحقة في القرصنة معروفة جيدًا بفضل نشر كتاب عام 1721 بعنوان “تجارب الكابتن جون راكام وقراصنة آخرون”.

وفقًا للرواية، أبحر راكهام وطاقمه من أواخر آب حتى أواخر تشرين الأول 1720 على متن سفينة تم الاستيلاء عليها أطلق عليها اسم “الانتقام”، ووقع هجومهم الأول في الثالث من أيلول عندما استولوا على سبعة قوارب صيد قبالة ساحل جزيرة هاربور في جزر الباهاماس. لقد ضربوا بقوة – ولكن لم يقاتل أحد أكثر من آن وماري – وتمّ الاستيلاء على سلع صيد بقيمة 10 جنيهات إسترلينية بالعملة الجامايكية. بعدها، سارت الأمور بشكل سيئ لأسابيع عديدة، لكن صبر القراصنة أثمر في الأول من أكتوبر، عندما تمكنوا من الاستيلاء على سفينتين تجاريتين، واستولوا على أكثر من 1000 جنيه إسترليني. هذا النجاح الكبير الذي حققه راكهام دفعه إلى أن يصبح أكثر تهورًا، وفي 19 تشرين الاول، حقق الطاقم أعظم انتصار له قبالة ساحل خليج بورت ماريا، جامايكا. هنا استولوا على سفينة تجارية أخرى واحتجزوا قبطانها توماس سبينلو كرهينة. وفي وقت لاحق من نفس اليوم، استولوا على زورق على متنه مرأة تدعى دوروثي توماس. كانت آن وماري بلا رحمة في الهجوم وأصرتا على قتل دوروثي، لكن راكهام رفض. أصرت المرأتان على قتلها كي لا تشهد ضدهما إذا تم القبض عليهما، لكن راكهام تجاهل نصيحتهما.

في الحقيقة، وصفت دوروثي توماس في ما بعد كل من آن وماري، بأنهما كانتا ترتديان سترات رجالية وسراويل طويلة ووضعان مناديل مربوطة حول عنقهما، وكانت كل منهما تحملان سكينًا ومسدسًا في أياديهما وكانتا تلعنان الرجالوأقسمتا على قتلها… من الواضح، أنه لم يمر وقت طويل قبل أن تصبحا في مرمي السلطات… إذ في تشرين الأول 1720 هاجمت سفينتهم سفينة، واستولوا على كل ما فيها من ثروات…

وقد كان حاكم جامايكا، السير نيكولاس لوز، قد سمع عن مآثرهم وأصدر إعلانًا في جريدة Boston Gazette ذاكرًا أنّ كاليكو جاك قد سرق مع 12 آخرين بما في ذلك مرأتين هما آن فولفورد إليس بوني وماري ريد سفينة شراعية تزن 12 طنًا تسمى the William ، مضيفًا أيضًا أنّ الطاقم بأكمله ارتكب العديد من أعمال العنف والتخريب الجنائي والقرصنة. وقد أصدر حاكم جامايكا السير نيكولاس لويس تعليماته للكابتن جوناثان بارنيت بمطاردة طاقم القراصنة على متن سفينة the William كان بارنت، وهو جندي في حرب الخلافة الإسبانية (1701-1714)، يعرف العديد من أماكن تواجد القراصنة في المنطقة، وتمكن من الحصول على معلومات من دوروثي توماس فيما يتعلق بمكان وجودهم. لقد لحق بهم قبالة ساحل خليج نيغريل (المعروف الآن باسم الخليج الدامي) وانتظرهم حتى حلول الظلام. في هذه الأثناء، كان راكهام وبقية أفراد الطاقم يحتفلون بغنائمهم بشرب كل النبيذ المسروق. فقط آن وماري امتنعتا عن الشرب، وحذرتا الرجال…

ولكن، لم يستمع أحد. في الوقت الذي كان أغلب القراصنة مخمورين، وفي حوالي الساعة العاشرة صباحًا، اقترب بارنت للانتقام حاملًا العلم البريطاني، داعيًا راكهام إلى الاستسلام. رفض هذا الأخير وصرخ بأنه لن يعطي أو يأخذ أي مكان، ولكن بعد أن أطلق بارنت مدافع سفينته، ​​أمر راكهام الجميع بالاختباء في العنبر. نتيجة لشرب الخمر، لم يقاتل القرصان بشجاعة، باستثناء آن بوني وماري ريد… قاتلتا بشراسة واستطاعتا السيطرة على الوضع لمدة قصيرة، ولكن سرعان ما تغلب الكابتن بارنت ورجاله على الثنائي بسهولة، وسرعان ما تم القبض على جميع القراصنة الذين ترددوا قبل الاعتراف بأنهم قراصنة… وتمّ إرسالهم إلى بورت رويال، قبل نقلهم إلى سبانيش تاونSpanish town للمحاكمة على البر الرئيسي في جامايكا واحتجزوا داخل السجن.

في 16 تشرين الثاني 1720 ترأس السير نيكولاس بنفسه المحكمة التي حوكم فيها كاليكو جاك وعشرة رجال من طاقمه. لم يكن هناك الكثير ليُقال في دفاعهم، لذلك أدينوا بالقرصنة وحكم على جميع القراصنة بالإعدام شنقًا بعد بضعة أيامٍ… ولكن، عندما جاء دور آن وماري، أُجِّلَ الحُكم عليهما بالإعدام نتيجةً للحمل على الأقل إلى بعد ولادتهما…

وبينما يبدو انه من غير العادي ان تكون كلتا المرأتين حاملا أثناء المحاكمة، إلا انه كان عليهما بالطبع إثبات ذلك . عندما حوكمت آن ، كان العديد من الزارعين في الجزيرة يعرفون والدها شخصيًا وكان يُعتقد أنّ هذا قد يكون في صالحها، ولكن، للأسف كانت رحلتها قبل سنوات ضدها… وقد ماتت ماري بعد فترة قصيرة في السجن نتيجة لعدوى ما بعد الولادة، ودفنت في 28 نيسان1721… من ناحية أخرى، كان مصير آن أكثر غموضًا، إذ لا يوجد سجل لدفنها او إطلاق سراحها ، ما أدى إلى تكهنات حول احتمال هروبها من العدالة …

يُقال إنها وضعت طفلها وتمكنت من الهرب والعودة إلى أبيها الذي سامحها وعاشت حياة جديدة باسم جديد. كما افاد آخرون بأن بعض أحفادها ادعوا أنهم وجدوا مصادر تُظهر أنّ والدها تمكن من إطلاق سراحها من السجن وإحضارها إلى تشارلست تاون في ولاية كارولاينا ، حيث انجبت طفل كاليكو جاك الثاني قبل ان تتزوج من رجل يُدعى جوزيف بورلي وتلد بعد ذلك ثمانية أطفال آخرين وتموت مرأة محترمة في عام 1782 عن عمر يُناهز 84 عامًا…

ولكن، إنّ ذلك الدليل كان هش للغاية ومن غير المرجح نظرًا لشخصيتها النارية، هذا إضافة إلى سجلات الدفن الخاصة بها كانت مفقودة ولم يبحث فيها احد ، ما قد يعني بأنها ربما قد تكون ماتت في نفس الوقت تقريبًا مع ماري في عام 1721 …

هذا وقد كانت أمنية جاك الأخيرة قبل شنقه هي رؤية آن، التي قالت له: «لو كنت قاتلت كرجل لما كنت تُشنق ككلب»… لم يكن أحد يضاهي وحشية وشغف آن بالدماء أثناء القتال، وبطباعها الناري ومهاراتها القتالية الشرسة، استطاعت آن أن تضمن سمعة راسخة عبر العصور…