في لبنان، لهجة خاصة بأبنائه، وهذه اللهجة التي تختلف من منطقة إلى أخرى، لديها تاريخ عريق من التفاعل مع العديد من اللغات، فأصبحت لغة عربية مطعمة بكلمات أرامية ولاتينية، نتيجة اختلاط ثقافات “الأقليات” الكثيرة… مستقلّة هي، تلك اللهجة الحلوة والدلوعة، بمصطلحاتها الخاصّة تحلّي الأنغام الموسيقية وبانسجامها تدخل إلى مسامعنا وبسلاسة وبانسياب مع العديد من الأنماط الموسيقية تحاكي قصص الزمن البعيد، منذ عهد الفينيقيين عندما قام قدموس الفينيقي أخ الأميرة أوروبا برحلة إلى اليونان حاملاً نظام الكتابة بالأبجدية، وانتشرت الحروف حول العالم…
وللهجة اللبنانية، صبغتها الخاصّة تميّزها بمعجمها وأنغام حروفها عن باقي اللهجات في المنطقة، ما يُفسّر حبّ اللبناني الغناء باللهجة اللبنانية… ففي مطلق الأحوال، “اللهجة التي يبرع فيها الفنان هي تلك التي يتكلّمها من دون أي مجهود”، يقول الفنان سام غصوب، الذي يؤكد تعلّقه بالأغنية اللبنانية ويرى في كبار وعمالقة التاريخ الفني مثالا له، وإذ يستطرد: “أصبحت الهوية الفنية واللون اللبناني مهدداً بالإنقراض بسبب العواصف التي تصيب مجتمعنا اليوم والأعاصير الفنية التي تضرب أذنينا بكلام لا يمتّ بصلة إلينا ولحن لا يشبه تاريخنا أو قيمنا أو حتى حديثنا وعاداتنا”… إلا أنّ غصوب الذي يعشق الجمال، لا يعارض دخول الجميلات إلى عالم الغناء شرط أن تكون لديهنّ الأساس الفنيّ…
هذا ما قاله الشاب الطموح، المفعم بالحياة، والفنان في مقابلة له لـFeminine Spirit
– كيف قرر سامي غصوب الغوص في الفنّ ومزاولة مهنة الغناء؟
منذ الصغر، وأملك القدرة على التمييز بين نبرات “الأصوات” وأشعر بها أكثر من الآخرين… ولكن، أظن أن أكثر عامل جعلني أغوص في عالم الموسيقى بشكل عام والغناء بشكل خاص هو “الفضول”، إذ إنني ببساطة كنتُ أشعر أنّ هذه “الأصوات” التي أسمعها إذا وضعت بالترتيب الصحيح، لنتجت عنها أغنية بألحان جميلة، وأذابت ما في قلبي من مشاعر وحرّكت لديّ أجمل الأحاسيس في داخلي…
– من شجعك؟
في البداية، لم تكن الفكرة مرغوبة من الأهل والعائلة لأنّ المجال الفني غير مستقر ودربه وعرة. لكن مع التقدم والمثابرة أصبحت العائلة من أكثر الداعمين.
– ما اللون الذي تتبعه في أغانيك؟
هذه النقطة مهمّة لا بل من الأهم وأشكرك على هذا السؤال. برأيي، اللهجة التي يؤديها المطرب أو الفنان من دون مجهود أو تصنع هي اللّهجة التي يتكلمها و”ينتمي إليها”؛ لذلك، وبكل فخر اللّون الذي أتبعه في الأغاني هو اللون اللبناني.
– ما الآلة الموسيقية التي تفضل العزف عليها؟
بدأت العزف على البيانو والـkeyboard الذي مع تقدم التكنولوجيا أصبح بإمكاننا عزف مختلف الآلات عليه.
لكن، تغيّر الوضع عندما لمست أصابعي أوتار العود منذ عام ونصف للمرة الأولى، فأصبح العود رفيقي وصديقي الأول…
بمن تتأثر في عالم الغناء؟ من هو مثالك الأعلى؟
أتأثر بعذوبة فيروز ولحن فيلمون بشموخ وديع وروح صباح بتصميم الأخوين الرحباني وصلابة سعيد عقل بخفة رياض شرارة وجنون ملحم بركات. أسافر مع عبد الوهاب وأحلم مع عبد الحليم أتذكر مع أم كلتوم وأحب مع بليغ… الفن عالم واسع ولكن من دون أي شك كلمات وألحان وأصوات هذه العمالقة هي مثالي الأعلى.
– ما رأيك في الألقاب التي تطلق على المطربين والمطربات أو يطلقونها على أنفسهم؟
أظن أن ليس من لقب صنعَ فنانًا أو غير فنان، إنما الأشخاص هم الذين يصنعون ألقاباً بعد أن يقدّموا أعمالاً تليق بالإحترام والتقدير والألقاب… مع الإحترام للجميع طبعاً.
– ما رأيك بملكات الجمال اللواتي يخضن مجال الغناء؟
أنا أحب الجمال، وأرحب بفكرة خوض ملكات الجمال عالم الفنّ، فهنّ يُضِفن نكهة ولون خاص بحضورهنّ. ولكن، على الأقلّ لا بدّ من وجود أسس بسيطة موسيقية والإلتزام بالإيقاع و”الميلودي”. “وأكيد بينجحو!”
– ماذا تعني لك العالمية؟ هل الإنفتاح بين الدول جعل من الشهرة العالمية أمرا سهلا؟
العالمية هي المستقبل بحسب رأيي، وأكيد التطور الذي حصل مع سهولة التواصل بين المجتمعات غيّر قواعد الحياة ومن ضمنها الموسيقى، إذ يمكن لأي شخص في العالم أن يسمع أي أغنية أينما وساعة أراد، وهذا الأمر لوحده أصبح خطوة ضخمة.
كذلك، للشهرة العالمية شروط، فالموسيقى لغة، مثل اللغات التي نتكلمها، وإذا أردنا فهمها يجب علينا تكلمها، وأقصد باللغة في هذه الحالة “الإيقاع”. لذلك، إذا كان للفنان أو للفنانة طموح للعالمية، يجب إنتاج نمط إيقاعي عالمي مثل “ديسباسيتو”، حبيبي يا نور العين، c’est la vie….
وبالطبع، الشهرة ليست سهلة، وهي في حاجة إلى مجهود ومثابرة وحظ…
– برأيك، ما الأسباب وراء نجومية البعض؟
أعتقد أنّ السبب وراء النجومية، بسيط بعكس رأي البعض، وهو أن للنجوم شيء يقدمونه للناس وكلما زاد إعجاب هؤلاء بهم رفعوهم أكثر فأكثر.
– نرى من لديه الموهبة ولكن لا يحصل على ما يستحقه؟
يظنّ معظم الناس أنّه في عالم الغناء “الصوت” هو المعيار الوحيد، وقد أثبت الواقع أنّ هذا الأمر بعيد كل البعد عن الواقع. فالنجم هو مجموعة عوامل مجتمعةً والأهم في حالة الغناء أن يكون الصوت مميّز ومنفرد ونستطيع تمييزه، أي بمعنى آخر عند سماع الشخص يغني نعرف من هو من صوته.
وطبعًا، مع إزدياد المنافسة ضاقت الفرص كثيراً…
– ألا تعتبر أنّ هناك أسباب أبعد من موضوع الحظ؟
الحظ ممكن أن يلعب دوراً ويوصل الشخص إلى موقع النجومية بسرعة البرق، ولكن إذا الفنان من دون روح وموهبة حقيقية وعلم لا يستطيع الصمود وتلبية المطلوب للمحافظة على الموقع أو التقدم، ولذلك، نراهم يختفون بسرعة مثل “اليويو”…
– ألا تفكر في الانفتاح على الغرب ونشر أغنية فيها ألحان تمزج بين الشرق والغرب؟
طبعاً، من الضروري التنويع ومحاولة توسيع النطاق وعبور حدود اللغة واللحن، ولكن هذا الأمر يتحقق بعد أن “أثبت قدميّ في الأرض” وأنجح في اللّون اللبناني.
– كيف ترى المرأة اليوم في الساحة الفنية؟
أراها جميلة، متألقة، قوية وحازمة… أراها بوضع ممتاز.
– ألم تفكر في خوض تجربة التمثيل؟
أظن أنها تجربة رائعة، لكن بحكم السفر المستمرّ لم أستطع خوض التجربة، وأتمنى في المستقبل إنشالله أن يكون لي تجربة في مجال التمثيل.
– ما الطموحات والمشاريع التي تسعى إلى تحقيقها؟
أطمح أن أحافظ على الهوية الفنية واللون اللبناني الذي بدأ مع فيليمون وهبي والرحابنة وزكي نصيف ووديع الصافي وأصبح مهدداً بالإنقراض بسبب العواصف التي تصيب مجتمعنا اليوم والأعاصير الفنية التي تضرب أذنينا بكلام لا يمت بصلة إلينا ولحن لا يشبه تاريخنا أو قيمنا أو حتى حديثنا وعاداتنا. أشعر بمسؤولية تجاه هذا الموضوع، نحن مجتمع عانى تاريخياً من أصعب الحروب وأرضنا مشبعة بدماء شهداء طاهرة دافعت ودفعت بحياتها دفاعاً عن ماذا؟ عن وطن وطريقة عيش، عن هوية مستقلة وهذا ينطبق على الأغنية اللبنانية التي هي طريقة عيشنا وهويتنا في حزننا وفرحنا… أتمنى أن أستطيع القيام بذلك…
– كلمة أخيرة…
أتمنى التوفيق لموقعكم الراقي والغني بأجمل المعلومات، وآمل أن نكون دائماً على تواصل ويبقى لبنان وتبقى المرأة البنانية دائما من بين الأرقى عالميًا. وشكرًا.