أكدت دراسة طبية حديثة أن دماغ الذكور مختلف عن دماغ الإناث، حيث توصلت إلى أن الإناث أكثر تعاطفا بينما يعد الذكور أكثر تنظيما ولكنهم أكثر عرضة للإصابة بالتوحد في الآن ذاته.
وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن الاختلافات في العقل البشري بين الذكور والإناث؛ إذ أشارت الكاتبة جوديث دو خورخي في تقريرها الذي نشرته صحيفة “أ بي ثي” الإسبانية، إلى أحدث الأبحاث التي نشرت في مجلة “وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم عن مميزات كلا الجنسين.
وأبرزت الكاتبة أن هذه الدراسة استخدمت بيانات حوالى سبعمئة ألف شخص في المملكة المتحدة، من بينهم 36 ألف مصاب بالتوحد، وقد أجابوا عن استطلاع عبر الإنترنت لفائدة البرنامج الوثائقي “هل أنت مصاب بالتوحد؟” الذي يُبث على القناة الرابعة البريطانية.
ولفتت الكاتبة إلى أن هذا البحث تمّ تحت إشراف الخبير النفسي البريطاني سيمون بارون كوهين، من مركز أبحاث التوحد في كامبردج، وأثبت وجود نظريتين نفسيتين مثيرتين للجدل سبق أن اقترحهما منذ عقدين من الزمان.
وقد أثبتت النظرية الأولى أن النساء أكثر تعاطفا، في حين أن الرجال أكثر تنظيما. في المقابل، أثبتت النظرية الثانية أن اضطرابات طيف التوحد تعد نتيجة بلوغ الدماغ الذكري أقصى حدوده.
وأوردت الكاتبة أن التعاطف هو الدافع للاعتراف بالحالة العقلية لشخص آخر والاستجابة لذلك بالشعور المناسب، وهو ما يجعلنا نصغي إلى صديق حزين، ونتواصل معه ونضع أنفسنا مكانه، ونقدم له المساعدة التي يحتاجها. وقد تبيّن أن النساء يقمن بهذا الأمر بشكل أفضل. خلافا لذلك، يتّبع الرجال منهجا أكثر تنظيما، عن طريق تحليل أو بناء نظام، أو أي شيء يتفق مع القواعد والأنماط.
وأفادت الكاتبة بأن المشاركين في هذه الدراسات تلقوا ما وصفه مؤلفوها “بالدرجات”، حيث إن الحصول على درجات مرتفعة يدل على أن المهارات التنظيمية لهذا الشخص كانت أعلى من تعاطفه، بينما تعني الدرجات المنخفضة أن نسبة التعاطف أعلى من التنظيم. وقد وجد الباحثون أن الذكور العاديين كانت درجاتهم أعلى، على عكس الإناث.
من جهة أخرى، حصل المصابون بالتوحد – بغض النظر عن جنسهم- على درجات تجاوزت حتى درجات الرجال العاديين.
وأضافت الكاتبة أن العلماء – بالطريقة ذاتها- اكتشفوا أن الذين يعملون في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، كانت لديهم في المتوسط سمات توحد وتنظيم أعلى من الذين يعملون في وظائف لا تتعلق بالمجالات الآنف ذكرها، كما كانوا أكثر تعاطفا.
وبيّنت الكاتبة أن المؤلفين ذكروا في دراستهم أن الاختلافات الموجودة تنطبق على المجموعات لا على الأشخاص، كما أن البيانات لا تقول شيئا عن أي شخص معين وفقا لجنسه أو تشخيص إصابته بمرض التوحد أو وظيفته. بالإضافة إلى ذلك، أكد الفريق أن النتائج تشير فقط إلى التعاطف والتنظيم، لذلك فإن استقراء نظريات تتجاوز هذين البعدين سيكون “تفسيرا خاطئا”.
كما لا تعني هذه النتائج أن المصابين بالتوحد يفتقرون إلى التعاطف. وفي هذا السياق، فسر العلماء أن التعاطف يتألف من جزأين أساسيين، وهما الجانب الإدراكي أي القدرة على التعرف على ما يفكر أو يشعر به شخص آخر، والجانب الوجداني أي وجود استجابة عاطفية مناسبة لما يفكر أو يشعر به شخص آخر.
وأوضحت الكاتبة أن جانب التعاطف -المعروف أيضا باسم “نظرية العقل”- هو الجانب الوحيد الذي يكافح من أجله المصابون بمرض التوحد. ولا يعني ذلك أنهم غير مبالين أو قساة، لكنهم يجدون ببساطة صعوبة في فهم نوايا الآخرين، وبالتالي قد لا يفهمون مؤشرات تعبير الوجه أو التعبير الصوتي لشخص ما أو يتخيلون أفكارهم.
في المقابل، عندما يقال لهم إن هذا الشخص يتألم فإنهم يتحمسون لمساعدته. وفي هذا الإطار، يمكن أن يكون المثال النموذجي لهذا الملف الشخصي، شخصية شيلدون لي كوبر من المسلسل التلفزيوني “نظرية الانفجار العظيم”، وهو طفل عبقري يجد صعوبة في فهم النكات المضحكة أو السخرية.
من جهتهم، يحذّر المؤلفون من أن استنتاجاتهم لا تفترض أن المصابين بالتوحد هم من الرجال الخارقين. فهم يتمتعون بدرجات عالية في المهارات التنظيمية، لكنهم لا يتبعون الفروق النموذجية الأخرى بين الجنسين، مثل العدوانية.
ووفقا للباحثين، فإنّ عملهم أظهر أن العوامل المرتبطة بكون شخص ما امرأة أو رجلا، تساهم في تشكيل الدماغ. وهذا لا يعني أن كل الرجال يتمتعون بملف شخصي مختلف عن النساء، نظرا لأن الفرد قد يكون نموذجيا أو غير نمطي بالنسبة لجنسه. وبالطريقة ذاتها، هناك اختلاف كبير في حالة التوحد، لذلك فإن هذا لا يعني أن جميع المصابين بالتوحد يعانون من صعوبة في التعاطف المعرفي.
إلى ذلك، ذكر الكاتب أن هناك بعض العوامل التي تسبب هذه الاختلافات الجنسية النفسية، بدءا من الخبرة الاجتماعية والتعلم ووصولا إلى بيولوجيا ما قبل الولادة. فعلى سبيل المثال، تم ربط الهرمونات الجنسية السابقة للولادة – مثل هرمون التستوستيرون- بالتعاطف والتنظيم، كما ارتبطت العوامل الوراثية أيضا بالتعاطف.
ونقل الكاتب عن الخبير النفسي سيمون بارون كوهين، أن هذه الدراسات تشير أيضا إلى بعض الصفات التي يجلبها المصابون بالتوحد إلى التنوع العصبي.
وأكد في هذا الصدد أنهم يتمتعون بمهارات ممتازة في التعرف على الأنماط، ولديهم اهتمام كبير بالتفاصيل، كما يتمتعون بالقدرة على فهم كيفية عمل الأشياء، مؤكدًا أنه يجب دعم مواهبهم حتى يتمكنوا من تحقيق أهدافهم ويفيدوا المجتمع.