6
اشتهرت بجمالٍ ساحرٍ كان بمثابة تذكرتها لدخول عالم الفن في Hollywood هوليوود في عصره الذهبي.
إلى جانب وجهها الجميل وحضورها الأنثوي القوي، كانت تتمتع بذكاءٍ حادٍ وقدرة على الابتكار مكنتها من اختراع تقنية ما زالت مستخدمة حتى اليوم في الكثير من التطبيقات العلمية الحديثة.
إنها الممثلة والمخترعة النمساوية- الأميركية هيدي لامار Hedy Lamarr التي كانت من نجوم العقد من شركة مترو غولدوين ماير، وعالمة الرياضيات. اشتهرت في اختراع القفز الترددي في الاتصالات الراديوية.
اسمها الحقيقي هيدويغ إيفا ماريا كيسلر Hedwig Eva Maria Kiesler
ولدت Lamarr في ٩ تشرين الثاني ١٩١٤، في فيينا، النمسا والمجر، وكانت الابنة الوحيدة لأسرة ثرية من أبوين يهوديين، وحققت شهرتها قبل رحيلها إلى مدينة Hollywood هوليوود.
كانت شغوفة بالتمثيل والمسرح منذ صغرها، كما كانت شغوفة بالتكنولوجيا والاختراعات، لدرجة أنها تمكنت من تفكيك صندوقها الموسيقي وتجميع أجزائه مرة أخرى وهي في سن الخامسة من العمر.
تلقت لامار Lamarr دروسًا في التمثيل في فيينا، وشاركت في مرحلة المراهقة في أدوار صغيرة في بعض الأفلام السينمائية والمسرحيات في النمسا وألمانيا.
ولكن، دور البطولة الذي لعبته في فيلم “إكستاسي” (Ecstase باللغة التشيكية وEkstase بالألمانية) للمخرج التشيكي غوستاف ماتشاتي Gustave Machaty وهي في الثامنة عشرة من عمرها هو ما أكسبها شهرة دولية وسمعة سيئة في الوقت ذاته.
إذ اعتُبر الفيلم في غالبية البلدان الأوروبية عملا فنيًا مبدعًا، حاز على جائزة بمهرجان فينيسيا (البندقية) السينمائي. لكن، بابا الفاتيكان أدانه، كما أنه لاقى ردود فعل سلبية في الولايات المتحدة بسبب ظهور لامار عارية في بعض المشاهد، وظهور وجهها في مشهد ذي إيحاءات جنسية.
بعد ذلك، شاركت لامار في العديد من الأدوار المسرحية في فيينا، لا سيما مسرحية “إليزابيث إمبراطورة النمسا” التي حققت نجاحًا كبيرًا.
تزوجت ست مرات. ومن بينهم فريدريش ماندل Friedrich Mandl الذي كان من المعجبين بقطب الصناعة. كان يُطلق عليه لقب “هنري فورد النمسا”. كان ماندل Mandl يمتلك مصنعًا ضخمًا للذخيرة وله علاقات قوية بالنظامين النازي والفاشي في ألمانيا وإيطاليا.
في عام 1933، تزوجت لامار Lamarr من ماندل Mandlالذي كان يكبرها بنحو 15 عامًا بالرغم من معارضة أبويها بسبب صلاته بهتلر Hitler وموسوليني Mussolini، وقد عاشت حياة مرفهة في قلعة ضخمة.
بحلول عام 1937، لم تعد لامار Lamarr تحتمل لا الحياة مع زوجها شديد الغيرة عليها، ولا الاضطهاد المتزايد لليهود في فيينا، فقررت الفرار من الاثنين والسفر إلى لندن حيث أقامت لبضعة شهور مع أقارب لها.
في لندن، تعرفت على رئيس استوديو مترو غولدن ماير Metro-Goldwyn-Mayer (إم جي إم) لويس بي. ماير Louis B.Mayer الذي قدم لها عرضًا للعمل وأقنعها بتغيير اسمها بعد السمعة التي اكتسبتها كـ “فتاة إكستاسي”، طالبًا منها التكتم عن ديانتها.
اقترحت وقتها زوجة ماير Mayer تغيير اسمها ليصبح هيدي لامار Hedy Lamarr، تيمنًا ببطلة الأفلام الصامتة الشهيرة باربرا لامار Barbara LaMarr
اصطحبها ماير Mayer إلى هوليوود Hollywood في عام 1938، وبدأ يروج لها بوصفها “أجمل مرأة حول العالم”.
بدأت لامار Lamarr مشوارها في هوليوود Hollywood بفيلم “Algiers” (“الجزائر”) الذي حقق نجاحًا كبيرًا ولفت الأنظار بجمالها من المشهد الأول حيث أطلت فيه على الشاشة الفضية.
أصبحت صور لامار Lamarr تُنشر على أغلفة المجلات الفنية، وبدأت نساء كثيرات في هوليوود Hollywood يقلدن تسريحة شعرها وطريقة وضعها لمستحضرات التجميل.
كما سعى الكثير من الرجال إلى التقرب منها ومن بينهم جون كندي John Kenndyالذي بحسب لامار Lamarr واعدته قبل أن يصبح رئيسًا لأميركا.
شاركت فيما بعد في العديد من الأفلام الناجحة، مثل Boom Town وWhite Cargo، وComrade X وZiegfeld Girl
ولكن، فيما بعد أصبحت الأفلام التي تُعرض عليها من نوعية “أفلام الدرجة الثالثة” التي صممها استوديو “إم جي إم” لتسلية الجنود والترفيه عنهم. كما أصبح ماير Mayer يحصر أدوار لامار Lamarr بجمالها وأنوثتها، ما أصابها بالملل، بالرغم من أنها كانت تعمل لساعات طويلة قد تصل إلى 16 ساعة يوميًا.
حاولت التخلص من قيود “إم جي إم” ولويس بي ماير Louis B.Mayer ، فقررت إنتاج أفلام خاصة – وهو شيء لم يكن مرحبًا به في تلك الفترة.
أنتجت فيلمين هما The Strange Woman عام 1946، وDishonored Lady عام 1947، ولكنهما لم يحظيا بنجاح تجاري.
كان أبرز أدوارها هو دليلة في فيلم Samson and Delilah (شمشون ودليلة) الذي حقق نجاحًا ضخمًا في عام 1950، وفاز باثنتين من جوائز أوسكار.
من جهة أخرى، كان الاختراع، هوايتها المفضلة، بعد انتهاء دوام عملها في الاستوديو.
تعرفت على مصمم الطائرات هاورد هيوز Howard Hughes، ونشأت بينهما علاقة رومانسية، كما جمع بينهما حبهما المشترك للعلم والاختراعات.
كانت لامار Lamarr معجبة بعقل هيوز Hughes، تذهب إلى مصنعه وتشاهد كيف يتم تصميم الطائرات وتصنيعها. وقد ساعدته على زيادة سرعة طائرته اذ اقترحت عليه تغيير تصميم الجناحين.
تحولت نجمة هوليود Hollywood بعد ذلك إلى مجال البحث العلمي، فأصبحت المخترع الحقيقي لجهاز الهاتف المحمول، وقد سجلت ذلك في أميركا، كما سجلت اختراعًا آخر هو (تحريك الطوربيد Torpedo باللاسلكي)، وقد ظهرت فكرة تحريك الطوربيد Torpedo عندما تزوجت بتاجر الأسلحة.
في بداية أربعينيات القرن الماضي، كانت قوات المحور تحقق تقدمًا كبيرًا على جبهات عديدة، وكانت بريطانيا، بأسلحتها التقليدية، تجد صعوبة بالغة في درء الأسلحة الألمانية المتقدمة.
كانت الزوارق البحرية في حاجة إلى التحكم في صواريخ الطوربيد Torpedo المضادة للسفن والغواصات وتغيير مسارها في بعض الأحيان، ومن ثم كان الاتصال بينها وبين تلك الصواريخ أمرًا ضروريًا. لكن الاتصال اللاسلكي لم يكن آمنًا، إذ كان بإمكان العدو رصد تردده والتشويش عليه.
عندها ابتكرت لامار Lamarr طريقة سرية للاتصال لا يمكن التشويش عليها؛ إذ بدلا من استخدام تردد واحد، اقترحت استخدام الكثير من الترددات التي تتغير باستمرار بالتزامن مع بعضها البعض، وعندها لا يمكن التشويش عليها. وقد أطلق على هذه التقنية اسم “القفز الترددي”.
لم تكن لامار Lamarr تعرف كيف تطبق فكرتها العبقرية كما وصفها الخبراء آنذاك، فاستعانت بمؤلف موسيقي مبتكر يدعى جورج أنثيل George Antheil
لم يكن أنثيل Antheil مهندسًا، ولكنه كان خبيرًا بطريقة عمل أجهزة البيانو وكيفية ضبطها. اقترح أنثيل Antheil استخدام اسطوانتين صغيرتين تشبهان أسطوانات تشغيل البيانو، تبدآن في الدوران في نفس الوقت وبنفس نمط التردد لإنتاج ما يشبه شفرة سرية تمكن السفن من الاتصال بالطوربيدات. Torpedoes
عرض الاثنان الفكرة على مجلس المخترعين الوطني الأميركي الذي اعتبرها فكرة عبقرية، ونصحها بالتواصل مع البروفيسور سام ماك أوين Sam Mack Owen الذي صمم المركّب الالكتروني للاختراع The electronic compound of the invention
سُجلت براءة الاختراع باسم كل من هدفيج كيسلر ماركي (وهو اسم لامار Lamarr خلال زيجتها الثانية من مؤلف السيناريو جين ماركي Gene Markey)، وجورج أنثيل George Antheil في آب عام 1942.
وبحسب الفيلم الوثائقي “Bombshell: The Hedy Lamarr Story” في أواخر عام 2017 تبرع كل من لامار Lamarr وأنثيل Antheil باختراعهما إلى مجلس المخترعين الوطني، الذي أعطاه للبحرية الأميركية، والتي بدورها رفضت الاختراع وسخرت من فكرة “وضع أسطوانات بيانو Pianoعلى متن قذائف التوربيدو Torpedo “.
بعد رفض البحرية له، ظلت لامار Lamarr ترغب في مواصلة تطوير الاختراع، لكن أنثيل Antheil لم يتحمس.
ربما بقي أمام لامار Lamarr حينها طريقة وحيدة تمكنها من المساعدة وهي من خلال استخدام جمالها وشهرتها كمؤهلات يسمح بها المجتمع باستخدامها آنذاك.
تمكنت لامار Lamarr من بيع سندات حرب لتمويل القوات الأميركية قيمتها نحو 25 مليون دولار (ما يعادل حوالي 343 مليون دولار حاليًا)، كما كانت تشارك في حفلات الترفيه عن الجنود – بالرغم من أنها لم تكن قد حصلت على الجنسية الأميركية بعد.
ولكن، في عام 1942، صادرت الحكومة الأميركية براءة الاختراع باعتباره “a property of an enemy ally” ملكية لحليف دولة عدوة.
استنكرت لامار Lamarr في حوار لها عام 1990 قائلة: “لا أفهم، عندما استخدموني لبيع سندات الحرب، لم أكن مواطنة من دولة عدوة، وعندما اخترع شيئا من أجل هذه البلاد، أصبح مواطنة من دولة عدوة؟”
استخدمت البحرية الأميركية التقنية التي ابتكرتها قبل انتهاء مدة حقوق براءة الاختراع، من أجل تصميم جهاز Sonobuoy العائم وفي تصميم طائرات مراقبة بلا طيار “درونز… ومع ذلك لم تحصل لامار Lamarr على أي أموال مقابله.
في فترة لاحقة، كان العاملون في صناعة الاتصالات أول من انتبه إلى اختراع لامار Lamarr، إذ كان قد بدأ بالفعل استخدام تقنية “القفز الترددي” في نظام تحديد المواقع “جي بي إس” GPS و تقنية النطاق العريض (واي فاي) WIFIواتصالات البلوتوث اللاسلكية Bluetooth وصولا إلى صناعة الأقمار الصناعية والصناعات العسكرية.