اتفقت القوى السياسية الأساسيّة على قانون جديد بعد خلاف امتدّ لأكثر من ستة أعوام في شأن طبيعته وتفاصيله، وذلك بعد أن شهد لبنان خلالها تمديدين للمجلس النيابي، وقد استطاعت القوى السياسية التوافق فيما بينها من دون باقي الأفرقاء السياسيين اللبنانيين، على ذلك القانون “المفصّل” على قياسها وحسب مصالحها، تحت حجة تفادي أي فراغ في السلطة التشريعية، لا سيما وأنه أصبح من المستحيل الإقدام على تمديد ثالث في ظل الظروف السياسية الإقليمية الضاغطة عليها بضرورة القيام بالإنتخابات النيابية.
وبحسب هذا القانون الذي أطلق عليه تسمية “النسبي” وتمّ تفخيخه بالصوت التفضيلي والناتج الإنتخابي، سينتقل لبنان إلى اعتماد فرز نظام سياسي ناتج عن قانون انتخابي سيُعتمد للمرة الأولى، لتوزيع المقاعد على القوى السياسية المختلفة، وسيقُسّم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية. تقسيماتٌ، وُجدت لتُراعي القوى السياسية والطوائف التي تمثّلها، الأمر الذي أدى إلى إختلافات في وجهات النظر، وآراء موافقة عليه وأخرى رافضة له، خصوصا وأنه لم يتمّ التوافق على “الكوتا” النسائية، ما يدفعنا إلى التفكير بعمق أكبر في الدور الذي سيؤديه ذلك القانون الجديد.
فالنتيجة للإنتخابات في ظل النظام النسبي لا يمكن للافرقاء السياسين الإجماع عليها إلا بعد حصول “التجربة العمليّة” التي يمكن أن تعكس واقعا مختلفا عن النظريات “العبقرية” لتصطدم بالفذلكة السياسية و”البدع” الديموقراطية “الرنانة” التي تتغنى بها الأحزاب السياسية.
وإن كان ذلك القانون هدفه الإختيار بين النور والظلمة، وإنقاذ المسيحي من قانون الستين، ورفع بعض “الغبن” عن المسيحيين من خلال رفع مستوى تأثير “الصوت المسيحي” على معظم المقاعد المخصّصة للطوائف المسيحيّة الـ64 عملاً بمبدأ المناصفة كما نصّ اتفاق الطائف؛ يبقى التساؤل عما يستطيع أن يغيّره القانون الجديد بدور المرأة في الساحة السياسية، إذ إنه على مدى أكثر من نصف قرن والمرأة في لبنان في حال نضال ومثابرة لنيل أدنى حقوقها بدءا من الأحوال الشخصية والمدنية وصولا إلى تلك السياسية، فالدور العائلي والمهني لم يعد عائقا أمام فوز المرأة، والدعم العائلي لترشيحها يؤكد تغيير الصورة النمطية وتقبل وصولها إلى مركز القرار.
إذا كانت الإرادة السياسية هي المفتاح الوحيد لإقرار “الكوتا” النسائية، لماذا لم توضع إذا على طاولة النقاش بغض النظر عن القانون المطروح، حرصا على حقوق المرأة، خصوصا وأن رؤساء الكتل السياسية بمن سنّ هذا القانون أطربونا خطابات عن ضرورة “الكوتا” النسائية؟
في هذا السياق، رأى رئيس مؤتمر الأقليات إدمون بطرس أن القانون الجديد الذي تمّ الإتفاق عليه بين الأحزاب الكبرى هو من دون شكّ قانون إنتخابي له إيجابياته، إذ إنه يؤدي إلى إنتخاب 50 نائبا مسيحيا بدلا من 34 نائبا من أصل 64 وقد يؤدي إلى الحصول على 53 نائبا مسيحيا في حال تحققت مشاركة قصوى للمسيحيين في الدوائر الـ15 كافة، إلا أنّه في المقابل له سلبياته على المستوى المسيحي “الداخلي” كونه يساهم في إيصال الأحزاب الكبرى فقط التي سنّته؛ فالنسبيّة كما حدّد أسُسَها ذلك القانون، لا ترتقي إلى مصاف الأنظمة النسبيّة المعتمدة عالمياً لتأمين عدالة التمثيل وتمثيل الأقليّات السياسيّة لأن الصوت التفضيلي ارتبط بإلزامية اللائحة المغلقة للمقترعين كما الفذلكة القانونية بالحاصل الإنتخابي ما يجعل فرص وحظوظ المستقلين بالنجاح ضئيلة جدا.
وأضاف:” لا يعطي هذا القانون فرصة للمستقلين في الوصول إلى الإنتخابات، بل يؤدي إلى وصول الحاصل الإنتخابي المحصور بالأحزاب اللبنانية التي فصّلته على مقاسها وبما يتناسب مع مصالحها ووجودها السياسي”.
وأشار بطرس إلى أنّ فرصة إختراق اللوائح للمستقلين والأحزاب الصغرى أصبحت ضئيلة جدا وإن تحالف المستقلون فيما بينهم لأنهم سيخرجون من السباق في الحاصل الإنتخابي الذي سيجرده الأحزاب الكبرى، لافتا إلى “الفذلكة” التي يتمّ العمل عليها لجرّ المواطن للتصويت على لائحة “معلّبة” من دون ترك أي مجال للناخب لتأليفها كما يريد وحسب الدائرة وبالتالي يصبح الناخب غير قادر على اختيار أسماء النواب التي يريدها.
وتابع بطرس أن المواطن أصبح مجبرا على التصويت للائحة “معلّبة”، لافتا إلى أنّ الناخب يضع علامةX قرب اسم واحد كصوت تفضيلي من بين المرشحين ولكنه ملزم بالتصويت للائحة برمتها رغم عدم اقتناعه بكافة المرشحين فيها، من دون أن يكون له أي حق في تأليف لائحة الأسماء التي يريدها، ما يجعل الأمر أصعب على الأحزاب الصغرى والمستقلين.
أما في ما يختصّ “الكوتا” النسائية أي حصّة النساء، لفت بطرس إلى أنّ الأحزاب كذبت كذبتها الكبيرة ودغغت من خلالها مشاعر النساء والرجال على السواء خصوصا لدى أولئك الذين يهتمون لأمر المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية، مشيرا إلى أنّ الأحزاب لم تذكر أي حصّة للنساء وهذا ما أدى إلى فضح أمرها بصورة ملحوظة في موضوع سبق لها أن تناولته وشددت من خلاله على أهميّة دور المرأة في الحياة السياسية.
وأضاف:”انشالله أن تتخطى الأحزاب السياسية موضوع “الكوتا” وأن تشمل لوائحها على دور المرأة بنسبة 20% على الأقل”.
أما بالنسبة إلى الدور الذي سيلعبه مؤتمر الأقليات لتعزيز دور المرأة اللبنانية في الحياة السياسية، أكد بطرس أن “المؤتمر ” سيسعى إلى تعزيز دور المرأة في الحياة العامة والسياسية خصوصا من خلال دعم عمليّ يخرج عن عن الخطابات الكلامية “الرنانة” بتقديم الدعم اللوجيستي لبعض المرشحات.
ويبقى القول إنه أمام “طبخة” سياسية بـ”مقادير” جديدة يخشى أن يقع لبنان على مذاق أمرّ مما تذوّقه في ظل قانون الستين، فتصبح الديموقراطية “المقنعة” وسيلة لممارسة الأحزاب الكبرى ديكتاتوريتها وقمع الفكر والمنهج “المنفرد”، ليصحّ معه قول الرئيس المصري السابق أنور السادات: “الديموقراية لها أنياب أشرس من الديكتاتورية”…