هو شفيع الحوامل، الولادات المُتعثرة، والقابلات، والأطفال الأيتام، والأطفال حديثي الولادة، ومرضىَ الحمّىَ، والمُبشرين. أعلن قداسته البابا ألكسندر السابع عام 1657م. ذاق القديس كل مراحل القهر والألم والعبودية، على الرغم من أنه من أصول ارستقراطية، إلا أنه اختار بنفسه طريقًا مختلفًا عما أراد له والده، فرفض المال والسلطة وحياة الغناء، وفضل اختيار حياة التواضع والبساطة والإيمان بالله.
إنه “ريمون” من مواليد عام 1204، كاهن مُبَشِّر، ينطق اسمه بالإسبانية “رامون” ويعني “الحارس الحكيم”. إشتهر بإسم “ناناتوس” لأن إسم “ناناتوس” هو إسم لاتيني يعني “الغير مولود”، وترجع هذه التسمية إلى أن ولادته كانت مُتعثرة للغاية، فتم إستخراجه بجرح قيصري تسبّب في وفاة والدته أثتاء الولادة.
حدث ذلك في قرية “بورتيل” التابعة لمدينة برشلونة، في إقليم كاتولونيا – إسبانيا عام 1204م. حالياً قرية “بورتيل” إسمها “سان رامون” نسبة للقديس وبها دير كبير على اسمه.
بحسب سجلات رهبنة العذراء سيدة الرحمة (Mercedarians) هو إبن أمير الإقليم، تلقى تعليماً راقياً، وكان حُلم والده أن يُلحِقُه بالعمل في المجلس الملكي لمملكة “أراجون” وهي أحد ممالك إسبانيا القديمة قبل توحدها.
عندما صار “ريمون” صبياً، بدأت تظهر عليه إهتمامات روحية تطغى على أي إهتمام آخر، إذ رفض طموح والده الذي كان همّه الوحيد أن يُصبح سياسيًا. فما كان من ذلك الأخير إلا أن أوكله بإدارة إحدى مزارعه. إلا أنّ القديس، كان يقوم بنفسه بالأعمال البسيطة، وبرعي الأغنام، بالرغم من كونه ابن مالك المزرعة ومديرها.
وعندما فقد والده الأمل بأن يجعل من ولده رجلا سياسيًا، سمح له والده بالتقدم للتكريس في رهبنة “العذراء سيدة الرحمة” في مقرها ببرشلونة. وهذه الرهبنة محلية أُنشأها “القديس بيدرو نولاسكو” بهدف تحرير المُختطفين المسيحيين من أسر مسلمي شمال إفريقيا وخصوصًا في المغرب، عن طريق تجميع الأموال لدفع الفدية وإنقاذهم، وكان “العهد الرابع” الذي يقدمه طالب هذه الرهبنة هو إفتداء الأسرى بنفسه في حال عدم قدرته على إفتدائهم بالمال.
تتلمذ “ريمون” روحيًا عن يد مؤسس الرهبنة، وتمت سيامته الكهنوتية عام 1222م، وصار لاحقاً رئيسًا عامًا للرهبنة. تفرَّق الإخوة المُفتدين جميعاً وأولهم مؤسس الرهبنة، ومعهم الأموال التي جمّعوها من أموالهم وأموال متبرعين آخرين، لإنقاذ حياة إخوتهم من الأسر والموت قتلاً أو بسبب سوء الحالة الصحية.
بالنسبة للأب “ريمون” كانت بداية رحلاته لتنفيذ مهام الرهبنة في “ﭬـالنسيا” حيث قام بدفع الفدية عن 140 أسير مسيحي. ثم انتقل إلى الجزائر وتمكن من دفع الفدية لتحرير 250 مسيحي.
ومن بعدها زار تونس؛ وهناك نفذ ما معه من مال بينما مازال هناك أسرى يحتاجون للتحرير، فقرّر تسليم نفسه كأسير لإفتداء 28 أسير، وذلك تنفيذاً للـ”بند الرابع” من نذور رهبنته.
بالرغم من معاناته الشديدة في حياة الأسر، حيث مرّ بكل مراحل القهر والإذلال والعبودية، إلا أن نفسه الحُرّة التي كان يراها من خلال حرّية “أبناء الله”، كانت تمكّنه من الإهتمام برعاية المسيحيين الأسرى رعاية روحية؛ إذ كان يتحيّن الفرصة لخدمة سرّ الإفخارستيا والإعتراف، وقد نجح فعليًا في تقوية عزم أغلبهم على الثبات في الإيمان بالرغم من الآلام، إقتداءً بالمُخلّص يسوع المسيح. كذلك، كان يقوم بتبشير المسيحية في المغرب، فمنهم من استجاب للإيمان المسيحي فتمّ إعتقالهم واعتقاله معهم بتهمة التبشير بالمسيحية.
حُكِمَ عليه بالإعدام على الخازوق، وبالرغم من معرفته بعقوبته إلا أنه إستمر في التبشير والإعتراف بالإيمان من دون خوف، لدرجة انتشر الخوف في المغرب من أن تُصبح ذكراه على الألسنة كبطل وشهيد في نظر الشعب، فقاموا بتهديده وتعذيبه لفترة ثم إعادته لسيّده الذي يعمل عبداً لديه.
لم يهتم الأب بالتهديد، وظلّ الكاهن يبشِّر بالرب يسوع المسيح وقيامته. ولذلك، قام المغاربة بإحداث فتحتين فوق وأسفل شفتيه بإستخدام الأسياخ الحديدية الساخنة ووضع حديدة مُغلقة شبيهة بالقِفْل على فمه لمنعه من الكلام والتبشير بإيمانه.
سائت حالة الكاهن “ريمون” الصحية بعد هذا الفعل الإجرامي، وبعد ثمانية أشهر من هذه الحادثة قام “القديس بيدرو نولاسكو” بالسفر إلى تونس وإفتداء الأب “ريمون” بنفسه، فأعاده إلى برشلونة بالأمر في عام 1239م.
عيّنه البابا جريجوري كاردينالاً في بداية عام 1240م، فعزم على أن يكون سفره إلى روما لإتمام التنصيب ليس سفرًا مُرفَّها بل رحلة حج روحي، إلا أنه توفي في الطريق قبل أن يعبر حدود إسبانيا – تحديداً مدينة “كاردونا” التي تبعد 60 ميل عن برشلونة – في 31 آب 1240م وكان عمره يناهز السادسة والثلاثين.
ويقول المؤرخون إن خلافاً حول أحقّية دفن جثمان الأب “ريمون ناناتوس” حدث بين أمير الإقليم وبين إخوته في رهبانية “العذراء سيدة الرحمة” في مسقط رأسه، فتم حلّ الموقف بالإقتراع من خلال ربط العربة الحاملة للجثمان ببغل يتم تغمية عينيه وإطلاقه من دون أن يُساق إلى حيث المكان الذي سيعتبرونه رغبة القديس في الدفن.
فإنطلق البغل إلى المكان المفضل للأب، أي نحو “كابيلا” القديس نيكولاس التي شهدت على حياته الروحية خلال صباه. ولذلك، تمّ دفنه في هذه الـ”كابيلا” وقد سُجِّلت معجزات كثيرة عند زيارتها، وقد وثقت هذه المعجزات التي بدأت حدوثها قُبَيل وفاته.
وقد اشتهرت اللوحات والأيقونات التي كانت ترمز إلى القديس “ريمون”، برسم يظهر فيها حاملاً القربان الأقدس بيده اليمنى رمزاً لخدمته الكهنوتية في الأسر، وسعفة الشهداء في يده اليسرى لكنها مربوطة بثلاث تيجان رمزاً لإستعداده لإستشهاد لم يتم، وتعرضه لمخاطر خلال رحلاته الثلاث لتحرير الأسرى في كل من ﭬـالنسيا، الجزائر، وتونس. أما خلفه، فيتبيّن وجود كيس نقود مُلقى على الأرض رمزًا لإفتداء الأسرى بالمال، كما يرتدي زِيّ الكاردينالية إلا أن قبعة الكاردينال موضوعة على الأرض رمزًا لوفاته قبل التنصيب.
إضافة إلى ذلك الرسم، تصوره بعض اللوحات الأخرى، مُرتديًا زِيّ رهبان “العذراء سيدة الرحمة”، أثناء عملية غلق فمه بقِفْل حديدي لمنعه من التبشير في شمال إفريقيا.