بعد كل جريمة إغتصاب تشهدها موريتانيا، ترفع الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل ومنظمة بيت الحرية للدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة العبودية ومخلفاتها والكثير من الحقوقيات والحقوقيين أصواتهم للمطالبة بالعدالة في وقفات إحتجاجية أمام القصر الرئاسي بنواكشوط أو وزارة العدل، وتطالب هذه الوقفات مرارًا وتكرارًا بتطبيق القانون لردع مرتكبي جرائم الإغتصاب التي انتشرت في موريتانيا خلال الفترة الماضية وزادت حدتها في الفترة الأخيرة. ونظمت آخر وقفة احتجاجية يوم 9 أيلول أمام وزارة الداخلية من طرف المنظمات الحقوقية العاملة في المجال والمدونين وأهالي ضحايا الإغتصاب والقتل مطالبة بوقف هذه الجرائم المتكررة في حق النساء والأطفال.
وتظاهر النشطاء للمطالبة بوقف الإغتصاب، من خلال سن قانون لتجريمه وحماية النساء، وذلك بعد يومين من عملية إغتصاب وقتل فتاة هزت البلاد. ورفع المحتجون لافتات تطالب بوقف الإغتصاب، وسن قوانين رادعة لمرتكبيه، خصوصًا في ظل تسجيل حالات اغتصاب عديدة خلال الشهر الجاري في مناطق مختلفة من موريتانيا. كما طالب المحتجون بتطبيق القانون بحق مرتكبي قاتل ومغتصب الفتاة، وتسليط أقسى العقوبات بحقه، لردع آخرين عن ارتكاب مثل هذه الجرائم.
وهزت جريمة قتل وإغتصاب إحدى الفتيات في العاصمة نواكشوط، الرأي العام، ودفعت ناشطين في مجال الدفاع عن حقوق المرأة للتحرك، والمطالبة بتفعيل قانون حماية النساء الذي صادقت عليه الحكومة قبل أشهر.
وتكاد لا تخلو صفحة الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل عبر “فيسبوك” من الإعلان عن حالة إغتصاب من مختلف الفئات العمرية كحد أدنى بصفة يومية. ودقت الجمعية المختصة بحماية النساء في موريتانيا أخيرًا ناقوس خطر إنتشار عمليات الإغتصاب في البلاد.
وفي هذا السياق، أكدت رئيسة الجمعية زينب بنت الطالب أن إنتشار العنف ضد المرأة الموريتانية بلغ ذروته وتضاعف عدد ضحاياه في الفترة الأخيرة بالرغم من محاولة الجمعيات المهتمة بالمرأة التصدي له منذ عشرات السنين.
وأضافت أن الجمعية تعمل منذ عشرين عامًا على هذا الموضوع، مشيرة إلى أنه لا توجد استراتيجية واضحة للقضاء على هذا النوع من العنف الخطر الذي يمس بمعتقداتنا وتقاليدنا وديننا والذي لا يوجد أحد يضع له حدًا.
وتكتظ سجلات الجمعية التي تعد من أنشط الجمعيات التي تهتم بالمرأة في موريتانيا بحالات الضحايا التي سجلتها الجمعية، ما جعل رئيستها تطالب الدولة بوقف الإغتصاب ومعاناة النساء في موريتانيا من خلال سن قوانين رادعة.
وقالت بنت الطالب موسى إنّ هذا الوضع خطر ولم يعد يحتاج للقول بل للفعل، مستغربة عدم وقوف الدولة وقفة صارمة لتضع حد لهذا النوع من الإعتداءات.
وحذرت الجمعية من تزايد حالات الإغتصاب في فترة الحجر الصحي التي فرضها تفشي فيروس كورونا.
وبدورها، قالت المنسقة العامة للجمعية سهام حمادي إنّ الأمر مخيف لأنّ هذه الفترة فرضت فيها إجراءات وقائية صارمة، كانت هناك حالات عددة من الإغتصاب خصوصًا اغتصاب الأطفال في الحجر المنزلي”، مطالبة بالتدخل لحماية الأطفال والنساء في هذه الفترة الحرجة.
وقد رصدت الجمعية في شهر أيار 26 حالة إغتصاب، وكانت أغلب الضحايا من القاصرات اللواتي ينتمين إلى الطبقات الهشة.
وحكمت محكمة موريتانية جنوب البلاد، الشهر الماضي، بالإعدام قصاصًا على أحد الأشخاص، بعد إغتصابه إحدى الفتيات ودفنها في مكان مهجور قبل أن تنبش الحيوانات الضالة عن جثتها التي عثرت عليها الشرطة بعد أيام من البحث والتحقيق، ما أدى إلى القبض على الفاعل.
وقد أدان حقوقيون هذا الظلم الذي يتعرض له ضحايا العنف الجنسي وعائلاتهم وكيف ينظر إلى اغتصاب امرأة ومرونته تجاه المغتصبين، وأضافوا: “أين يذهب بلدنا موريتانيا؟ لماذا يتم اغتصاب الكثير من السيدات كل يوم؟ وأمام أي شكوى لا يتم القبض على المغتصب أو يتم الإفراج عنه بسرعة من دون إنتظار، إنه وضع خطر ويتطلب تعبئة الجميع لإيقافه، لم يعد مقبولا أوقفوا الظلم. كما نطلب من الحكومة الموريتانية تحمل مسؤولياتها ووضع حد لهذا الظلم الموجه ضد المرأة والذي يأتي من ناس يفترض منهم حماية حقوق المرأة”.
كذلك، أشارت منظمة بيت الحرية للدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة العبودية ومخلفاتها في وقت سابق إلى التزايد المضطرد والمخيف لحالات الإغتصاب في البلاد والتي تعرضت لها فتيات من مختلف الأعمار، لافتة إلى تلقي المنظمة اتصالات عديدة من ذوي بعض ضحايا هذا الإنتهاك الجبان.
وتابعت: “على الرغم من الحالات العديدة المسجلة نسبيًا والتي أخذت مسارًا قضائيًا إلا أنها لا تعكس الحجم الفعلي لهذه الإنتهاكات المتزايدة في عددها وبشاعتها، حيث سجلت في الأشهر الأخيرة أرقامًا قياسية لعمليات الإغتصاب صاحبتها إعتداءات وحشية من قتل وضرب وسحل وخنق، كما تم بعضها بشكل جماعي كحالة الطفلة مريم التي اغتصبت في مركز عدل بكرو الإداري من طرف مجموعة أفراد، والتي ما زالت تعاني من مضاعفات نفسية وصحية وجروح بادية على جسدها وقد استدعت حالتها السفر إلى العاصمة نواكشوط لمعاينة أخصائي نفسي.
ورأت المنظمة أنّ ما يبعث على القلق والخوف إزاء ملفات الإغتصاب هو التساهل القضائي مع المجرمين والمتهمين والمدانين في مثل هذه الملفات من خلال إعطاء فرصة لصلح جائر على حساب الضحية أو إصدار أحكام مخففة بحق المجرمين، مطالبة القضاء الموريتاني بتطبيق القانون وإنزال العقوبة التي يحددها القانون بعيدًا عن الإعتبارات الإجتماعية.
وأكدت منظمات حقوقية أنّ القانون الموريتاني لا يُعرّف بشكل مناسب جريمة الإغتصاب وغيرها من أشكال الإعتداء الجنسي، بالرغم من أنّ مشروع قانون بشأن العنف القائم على النوع الإجتماعي والذي يتضمن تعريفات محددة إضافية ما زال معروضًا على البرلمان، مشيرة إلى أنّ تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين البالغين خارج الزواج يمنع على الأرجح الفتيات والنساء من الإبلاغ عن الإعتداءات، لأنهنّ قد يجدن أنفسهنّ متهمات إذا رأى القضاء أن الفعل الجنسي المعني تم بالتوافق.
ولفتت إلى أن غياب قوانين صارمة بشأن العنف القائم على النوع الإجتماعي والمؤسسات التي تساعد الضحايا، إلى جانب الضغوط الإجتماعية، تثني النساء والفتيات عن طلب المساعدة وسبل الإنتصاف عندما يتعرضن للاعتداء، مؤكدة أنّ السلطات لا تقدم خدمات كافية في مجالات الصحة النفسية والعقلية والدعم القانوني للضحايا، وتعتمد بشكل مفرط على المنظمات غير الحكومية لسد فجوة الحماية.