يعدّ التمييز العنصري مظهرًا من المظاهر التي مازالت تسود بين المجتمعات وداخل المجتمع الواحد.
فهو يتعدد ويأخذ مظاهرًا مختلفة؛ منها على أساس العرق والهوية والجنس والدين، أو نتيجة الإصابة بأمراض مثيرة للخوف والهلع بين الناس، كمرض فقدان المناعة المكتسبة والأوبئة التي تجتاح مجتمع ما، وتجعله في عزلة عن بقية المجتمعات.
ومن مظاهر التمييز التي تحوّلت مع مرور الزمن إلى مظهر من مظاهر العنف، هو التمييز العنصري على أساس الجنس، المتمثل في التفرقة بين الرجل والمرأة، والنظرة لها بنظرة دونية، ومنعها من ممارسة العديد من الوظائف، وإحتكارها للرجل، بل تعدى ذلك لتسخيرها في أعمال لا تناسب طبيعتها التي خُلقت بها، ما جعل ذلك مظهر من مظاهر العنف والقسوة ضدها.
التمييز عبر التاريخ
من أكثر مظاهر العنف التي عرفت ضد المرأة، هو “وأد البنات”، وينتشر في المجتمعات التي تفضل الذكور عن البنات، وقد عرفته المجتمعات العربية في زمن الجاهلية، حيث تقتل البنت حية، بطرق مختلفة، ويعد وجودها عارًا على أسرتها، لذلك يجب أن تقتل، كما هناك مجتمعات أخرى عرفت لديها هذه الظاهرة كالصين والهند وباكستان.
وترجع أسباب الوأد عند العرب مخافة أن ينزل بهم الفقر، إذ يضطرون للإنفاق على الذكور والإناث معًا، خصوصًا أنّ البيئة كانت شحيحة بالزاد، كثيرة الفواجع والمجاعات، والإناث في هذه البيئة يأخذن ولا يعطين.
وبالرغم من قسوة هذا الفعل، إلا أنّ بعض العرب كان يباهي بالوأد، وبعضهم يقترفه منجاة من إحتمال متاعب بنات قد يؤسرن أو يسبين أو يزوجن بغير أكفاء.
كما كانوا يئدون نوعًا من الإناث وهي الزرقاء، والشيماء (ذات البشرة الداكنة، أو التي في بدنها بقع تخالف سائره)، والبرشاء (التي بها نقط صغار تخالف بقية لونها) والكسحاء، وسبب هذا الوأد التشاؤم من تلك البنات.
كيف يمارس العنف ضد المرأة عند وأدها
وأد البنات قبل الإسلام، يعدّ صورة بشعة للعنف ضد المرأة، إذا كانت طفلة صغيرة دفنت في التراب حية، وإن كانت فتاة كبيرة ألقيت من مكان شاهق، أو ألقيت في بئر حتى تموت غرقًا، أو جوعًا.
وأحيانًا، تترك البنت حتى تبلغ من العمر ست سنوات، فيقوم الأب بدفنها، وكانت الأمهات تحاول ثني أزواجهنّ عن وأد بناتهنّ، وقد تتوصل معه إلى إتفاق يقضي بوأد نصف ما تلد من البنات فقط، وإحياء النصف الآخر، ولم تكن الأم تسلم بوأد ابنتها إلا تحت التهديد من زوجها بهجرها أو طلاقها.
مظاهر العنف
الإجهاض بسبب جنس الجنين، يُعتبر أكثر شيوعًا، في دول جنوب وشرق آسيا، بما في ذلك أجزاء من الصين وكوريا وتايوان والهند وباكستان.
وهو صورة من صور العنف ضد جنس المرأة، كونها أنثى، ويعد الإجهاض بسبب جنس الجنين، سببًا في زيادة الخلل في التوازن بين نسب الجنسين من مختلف البلدان الآسيوية.
وقدرت الدراسات أنّه بحلول عام 1995، الإجهاض بسبب جنس الجنين زاد من نسبة الذكور والإناث عن المتوسط الطبيعي من 105-106 ذكور لكل 100 أنثى، إلى الذكور 113 لكل 100 أنثى في كل من كوريا الجنوبية والصين، و 110 ذكور لكل 100 أنثى في تايوان و107 ذكور لكل 100 أنثى، بين السكان الصينيين الذين يعيشون في سنغافورة وأجزاء من ماليزيا.
مظاهر العنف في الحضارة الغربية
بالرغم من الشعارات ومناداة الحضارة الغربية، في الدفاع عن المرأة وعن حقوقها الطبيعية، إلا أنّ أوروبا شهدت صورًا متعددة لممارسة العنف ضد المرأة؛ ومنها: ﻋﺎﺩﺓ ﺃﻗﻔﺎﻝ ﺍﻟﻌﻔﺔ، ﻭﻫﻲ ﺃﻗﻔﺎﻝ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺪ، تركب ﻓﻲ ﺃﺣﺰمة النساء ﻟﺘﻠﺒﺴﻬﺎ ﺣﻮﻝ خصورهنّ، ﺇﺫﺍ ﻏﺎﺏ ﻋﻨﻬﻦّ ﺃﺯﻭﺍجهنّ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﺮ، ﺛﻢ تغلق بمفاتيح ، يُبقيها ﺍﻟﺰﻭﺝ معه، ﻻ تفارقه لحظة، ﺑﻞ ﻭﺻﻞ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻲ بعض ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ، ﺇﻟﻰ ﺩﺭجة ﻭضع ﻗﻔﻞ ﻋﻠﻰ فم ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ، تغدو به ﻭﺗﺮﻭﺡ، وقد كان يوضع هذا النوع ﻣﻦ ﺍﻷﻗﻔﺎﻝ عند ﺧﺮﻭﺝ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﺩﺍﺭﻫﺎ، حتى لا يبدو بينها وبين الرجال الغرباء حديثًا.
كما استغلت المرأة في مجال الدعاية والإعلان، بشكل سيء، وتحوّلت إلى وسيلة إغراء لتسويق السلع والمنتجات المختلفة، والتي قد لا ترتبط بالمرأة. ومن مظاهر العنف ضد المرأة والتي سادت في أوروبا، إستخدام المرأة في أعمال لا تتناسب مع طبيعتها الإنسانية، حيث ظهر في أوروبا مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وفرضت على المرأة مهنّ لا تتناسب مع طبيعتها، حيث عملت في المناجم، وصناعة المواد الثقيلة، وتنظيف الشوارع، وقيادة الشاحنات، والحراسة وغيرها من الأعمال التي تهين المرأة، وتشكل عنفًا، وضررًا كبيرًا على نفسيتها، وصحتها الجسدية.
ولقد كشف مسح إستطلاعي أعدته وزارة الداخلية البريطانية عن أنّ 80% من ضابطات الشرطة، أي بنسبة أربعة إلى خمسة، يتعرضن للمضايقات خلال نوبات العمل الرسمية.
كما أشارت دراسة صدرت عن جمعية علم النفس البريطانية إلى أنّ 60 % من الممرضات اللواتي تمّ إستطلاع آرائهنّ، قد عانين من المضايقات، من المرضى الرجال.
ومن صور العنف أيضًا على أساس الجنس؛ إستغلال جسد المرأة الغربية، تحت مسمى ظاهرة تجارة الرقيق الأبيض، التي حققت أرباحًا بالملايين لأصحابها من الرأسماليين.
وأكد تقرير حديث لمنظمة الهجرة الدولية أنه يجرى سنويًا بيع نصف مليون مرأة إلى شبكات الرقيق الأبيض حول العالم، لافتًا إلى أنّ النساء من دول أوروبا الشرقية، يشكلن ثلثي هذا العدد، وتتراوح بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين.
وإعترفت منظمة الشرطة الأوروبية “أوروبول” بأنّ تجارة الرقيق الأبيض منظمة بشكل جيد؛ أما المنظمات غير الحكومية المهتمة بهذه المسألة، وبعض الأجهزة الأمنية في أوروبا الشرقية، فأكدت أنّ الكثير من النساء يقعن في فخ الإستدراج، الذي يكون عادة عن طريق نشر إعلانات مكثفة في مختلف الصحف في دول أوروبا الشرقية عن الحاجة إلى مربيات أو نادلات في المطاعم، أو مغنيات، أو عارضات أزياء، للعمل في الغرب أو في بعض الدول البلقانية بعروض مغرية.
المرأة والحقوق الدولية
صدقت 186 دولة، على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتحديدًا المادة 15 في الفقرات (1.2)، وبالرغم من مرور حوالي 30 سنة على الإتفاقية، إلا أنه ما زال هناك عنف يمارس ضد المرأة، لأنّ بعض بنود هذه الإتفاقية وهي (2.6)، يصعب تنفيذها في بعض المجتمعات.