قالت “هيومن رايتس ووتش” إنّ السلطات اللبنانية لم تفِ بإلتزاماتها القانونية الدولية لحماية النساء والفتيات من العنف ووقف التمييز ضدهن.
وقد رفعت هيومن رايتس ووتش تقريرًا إلى لجنة “الأمم المتحدة” التي ستجري المراجعة لإمتثال لبنان لـ “إتفاقية القضاء على كلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة” (سيداو)، المقررة مبدئيا في حزيران 2021. لم تُحرز البلاد أيّ تقدّم في تطبيق عدد من التوصيات من المراجعة السابقة العام 2015، بما فيها وضع قانون موحّد للأحوال الشخصية يؤمّن المعاملة المتساوية لجميع المواطنين والمواطنات، وتعديل قانون الجنسية التمييزي للسماح للمرأة اللبنانية المتزوّجة من رجل غير لبناني بمنح الجنسية لأولادها.
وأشارت باحثة لبنان في هيومن رايتس ووتش” آية مجذوب إلى أنّ خمس سنوات إضافية قد مّرت وبالكاد فعل لبنان أي شيء لإنهاء التمييز ضدّ النساء والفتيات، إحترامًا لإلتزاماته الدولية، لافتة إلى أنّ السلطات اللبنانية ينبغي أن تظهر جديتها في التعامل مع حقوق المرأة من خلال إجراء إصلاحات طال انتظارها قبل أن تُضطرّ إلى شرح تقصيرها لـ الأمم المتحدة مجددًا.
لم يتّخذ لبنان أي خطوات لإصدار قانون مدنيّ إختياريّ أو لإصلاح قوانين الأحوال الشخصية القائمة على 15 طائفة والمحاكم الدينية التي تطبّقها. تميّز هذه المحاكم ضد النساء من كل المذاهب، ولا تضمن لهنّ حقوقهنّ الأساسية، خصوصا في مسائل مثل الطلاق، وحقوق الملكية، وحضانة الأطفال بعد الطلاق.
كذلك، لم تُصلح السلطات قانون الجنسية، الذي يمنع المرأة اللبنانية المتزوّجة من أجنبيّ من منح جنسيتها لزوجها وأولادها، بينما يمكن للرجال المتزوّجين من أجنبيات منح جنسيتهم لأولادهم. يؤثّر هذا المنع تقريبًا على كلّ نواحي حياة الأولاد والشريك، بما في ذلك الإقامة، والقدرة على العمل، والتعليم، والخدمات الإجتماعية، والرعاية الصحية. كما يعرّض بعض الأطفال لخطر انعدام الجنسية.
ما زالت إجراءات الحماية القانونية من العنف الأُسري، والإعتداء الجنسي، والتحرّش غير كافية. في آب 2017، ألغى لبنان المادّة 522 من قانون العقوبات، والتي كانت تسقط العقوبة عن المغتصب إذا تزوّج ضحيته. لكن، تُركت ثغرة قانونية متعلّقة بالإعتداءات التي تشمل الجنس مع طفلات بين عمر 15 و17 عامًا والجنس مع فتيات عذارى مع وعدهنّ بالزواج.
يحدّد القانون الحالي للعنف الأُسري هذا النوع من العنف بمعنى ضيّق، ولا يجرّم الإغتصاب الزوجي تحديدًا. قدّم نوّاب عددا من مشاريع القوانين منذ 2017 عن التحرّش الجنسي، لكنها ما زالت بإنتظار خطوات من مجلس النواب. تستمرّ قلّة التنسيق في إستجابة الحكومة للإتجار بالجنس بتعريض حياة النساء والفتيات للخطر، خصوصًا السوريات المقيمات في لبنان.
وثّقت “هيومن رايتس ووتش” تعرّض عدد من النساء والفتيات، خصوصا نساء “ترانس” عابرات النوع الإجتماعي، وعاملات جنس، ولاجئات، وطالبات لجوء، للعنف الممنهج من السلطات اللبنانية، تحديدًا في مراكز الإعتقال. روت نساءٌ “ترانس” أنهنّ وُضِعن في زنزانات الرجال، وحُرِمن من الطعام والماء، وأُجبِرْنَ على الإعتراف. تكثر مزاعم العنف الجنسي ضدّ النساء، بما فيه الإغتصاب. في أحد الأمثلة، اعتُقلت ليال الكياجي في 21 أيلول 2015 بتهمة “الإساءة للمؤسسة العسكرية” بعد أن زعمت إغتصابها وتعذيبها على يَد عنصرين في الجيش خلال إحتجازها في 2013.
تقاعس لبنان بإستمرار عن التحقيق كما يجب بشأن المسؤولين عن التعذيب، ومقاضاتهم، ومعاقبتهم. في 2016، مرّر مجلس النواب قانونًا لإنشاء هيئة وطنية، “الآلية الوقائية الوطنية ضدّ التعذيب”، لرصد ممارسة التعذيب والتحقيق فيها. في 2017، تبنّى قانونًا جديدًا لمناهضة التعذيب. سُمّي أعضاء الهيئة الخمسة في 7 آذار 2019، لكنّ الحكومة لم تخصّص تمويلا للهيئة بعد.
فاقمت الأزمة الإقتصادية في لبنان، ومعها تفشي فيروس “كورونا” وإنفجار المرفأ في بيروت في 4 آب 2020، صعوبة الحياة للفئات المهمّشة، لا سيما عاملات المنازل المهاجرات، ومعظمهنّ من بلدان أفريقيا وآسيا. أفادت كثيرات عن حوادث إعتداء من أرباب عملهنّ خلال الحجر المنزلي، وإنتحرت سبع عاملات على الأقلّ منذ آذار. ما زالت العاملات المنزليات المهاجرات مستثنيات من الضمانات الممنوحة للعمال والعاملات الآخرين، وما زال وضعهنّ القانوني مرتبطا بصاحب العمل بموجب نظام الكفالة.
في 14 تشرين الأول 2020، وجه “مجلس شورى الدولة”، وهو أعلى محكمة إدارية في لبنان، ضربة قاسية إلى حقوق العاملات المنزليات المهاجرات عندما أسقط عقدا معياريًا وموحدًا جديدًا كانت قد تبنته وزارة العمل في 4 أيلول. أدخل العقد الجديد ضمانات جديدة لعاملات المنازل المهاجرات، وكان من شأنه أن يشكل خطوة أولى مهمة نحو إلغاء نظام الكفالة الذي يسبب الإنتهاكات.
وقالت مجذوب إنه خلال العام الماضي، تظاهرت نساء من مختلف مشارب الحياة في الشوارع للمطالبة بالمساواة وإنهاء أشكال التمييز كلّها، بينما اتّخذت السلطات بعض الخطوات، عليها الإستجابة لدعوات التغيير المنهجي من أجل المساواة.