كثيرة هي المواقف والقصص التي تروي لنا تفاصيل اللقاء الأول مع مختلف الأشخاص والأماكن التي نزورها، مثل اليوم الأول الذي ذهبت فيه إلى المدرسة، والمرة الأولى التي تحدثت فيها مع زميلك الذي أصبح فيما بعد أقرب أصدقائك، والمرة الأولى التي رأيت مكتبك في عملك الجديد، والنظرة الأولى التي تُلقيها على سيارة الأحلام، والقطعة الأولى التي تتذوقها من طبقك المُفضل بعد جوع شديد وإنتظار طويل.
ويطول الحديث إذا تذكرنا كل المواقف التي عشناها وكيف تصرفنا في المرة الأولى في كل منها. والأمر مشابه أيضًا لما يحدث عندما نقابل شخصًا ما للمرة الأولى، فنقع في أسر تفاصيل شخصيته وملامح وجهه كيف تصبح عندما يغضب أو يبتسم من أجل المجاملة فقط، فتسرقنا التفاصيل الصغيرة في المرة الأولى حتى نعتاد عليها بعد ذلك وتمرّ علينا من دون أن نلاحظها أو نفهمها.
كما قد يقف البعض منبهرًا يُحدق في كل شيء من حوله، و قد يخيّم الصمت على المكان من شدة الصدمة، وقد يضحك البعض ضحكًا هستيريًا، بينما تتسارع دموع آخرين لا يستطيعون تصديق أنّ أحلامهم قد تحققت أخيرًا!
ولكن، لماذا نعتاد الأشياء مع مرور الوقت؟ هل نحن حقًا مثلما يقول المثل الشعبي المعروف “لا يملأ أعيننا إلا التراب” أم الأمر له أبعاده الأخرى، ويُمكن أن يعتبر نوعًا من أنواع الطموح أو التطلع لما هو أفضل؟
الأمر قد لا يكون بهذا السوء إذا ما تعلق بالأشياء المادية كهاتف محمول، ولكن ماذا إذا حدث الشيء نفسه بين صديقين أو زوجين! كأن يرى أحد شخصًا ما فيعتقد أنه أفضل من صديقه الحالي، ويبدأ بفقدان الرغبة في الإهتمام به ومشاركته كل ما كانا يفعلانه في السابق.
في الحقيقة، تختلف نفسية الإنسان وشعوره ونظرته للأشياء من وقت إلى آخر، قد يكون أحد الأسباب الرئيسة هو تقدم الإنسان في العمر فما نظنه شيئًا كبيرًا وعظيمًا في وقت ما يفقد أهميته وتأثيره علينا إلى حد كبير، مثل طفل صغير ينظر دائمًا إلى الأبراج العالية والناس من حوله فيراه كبيرًا حتى يشب ويكبر فتعود الأشياء إلى حجمها الفعلي لأنها لم تكن كبيرة في الأصل!
كذلك قد ننبهر بشخص ما لأنه يتفوّق علينا في شيء واحد، بينما بالتعمق فيه بشكل كامل نجد أنه مماثل لنا تمامًا، لديه قدر من العيوب والمميزات بشكل متوازن كأي شخص طبيعي ولا يستحق الكثير من الإنبهار أو الإعجاب، دائمًا ما ننجذب نحو من استطاعوا إجتياز الإختبارات التي فشلنا فيها حتى إذا استطعنا أن نحقق النجاح أصبح كل شيء عاديًا وفي حجمه الطبيعي.
لذلك، الوقت هو الحل الأمثل لإدراك حقيقة مشاعرنا وأفكرنا تجاه كل ما يدور من حولنا ونحو كل من تجمعنا به من ظروف الحياة. فالوقت هو الإختبار الحقيقي للإنبهار الذي سيمر وينتهي سريعًا فور قدوم ما له جاذبية أكبر!